×

نار الأسعار تلتهم وجبة الإفطار.. والله مع الصائمين

التصنيف: إقتصاد

2009-08-31  12:45 م  2237

 

 

عمر حرقوص
لو سئل اللبنانيون عن شهر رمضان والفارق بينه وبين شهور السنة، لأخبروا عن مزايا الشهر وبركته وكذلك عن السهرات واللقاءات الممتدة حتى الفجر جواباً طويلاً لا يغيب عنه ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ذلك الغلاء الذي بات الملازم الدائم لايام الصوم الى حدّ يمكن معه تسمية الشهر بشهر الغلاء الفاحش الذي يستغله بعض التجار ليأكلوا رزق الناس، وليشربوا من تعبهم.
القيّمون على حماية المستهلك وفي عملية استباقية حاولوا منع تكرار المشهد المعتاد هذا العام ,إلاّ انهم في الواقع لم يستطيعوا التحكّم بالاسعار التي ضربت اطنابها خلال العام واستمرت في الارتفاع لتسجّل أرقاماً قياسية في الشهر الفضيل وكأن الناس لا يكفيها ما عليها من استحقاقات على ابواب الشتاء والموسم الدراسي. رمضان الكريم، أو شهر التوبة، يهلّ ومعه يهلّ الغلاء الجنوني في أسعار المواد الغذائية الذي يسهل قياسه في عملية حسابية بسيطة لصحن الفتوش، ملك السفرة الرمضانية اللبنانية. وفيما تتراجع صحون المائدة الرمضانية كل مرّة ليحذف بفعل فراغ الجيبة صنف كان رئيسياً فيها، يبقى هذا الصحن للغني كما الفقير وان تحوّل في الصيام ليتساوى وسعر الاطباق الملوكية اذا صحّ التعبير كونه تقليداً رمضانياً لبنانياً بامتياز الى جانب ما له من فوائد صحية على الصائمين.

يعتبر صحن الفتوش أول الصحون الرمضانية التي لا يتخلى عنها الصائم خصوصاً في لبنان. هو صحن متكامل لا يحتاج إلى الكثير من الجهد ولا إلى الكثير من المال في الأيام العادية، وهو مفتاح البطن بالنسبة الى الصائم والطريق الى اول لقمة فيها. أما صحن الفتوش ذاته في شهر رمضان فأسعاره تتحول من أسواق صبرا وحي اللجا ومحلات بيع الجملة والمفرق إلى سوق البورصة في نيويورك، ولكن في أيام العز وليس في أيام الانهيارات الحاصلة في العالم، فترتفع أسعاره بشكل جنوني لا يمكن بعدها الا اعتبار هذا الصحن من الانواع التي لا تقدم إلا في أشهر المطاعم الباريسية، ويصير سعره مثل سعر "السومون فيميه" والمآكل التي تحتوي على مواد نادرة.

[ تسعيرة..وحساب
في عملية حسابية بسيطة لمكونات هذا الصحن من الخضار يتبين ارتفاع أسعار المواد الغذائية في هذا الشهر حيث لا رقيب ولا حسيب يمنع التلاعب بأرزاق الناس ومعيشتهم. ففي سوق صبرا الذي يعتبر الأرخص في بيع المواد الغذائية في بيروت تزداد أسعار الخضار والفاكهة بشكل جنوني، مع ان موسم الزراعة الصيفية في عزه، أي ان انتاج هذه المواد لا يحتاج إلى مواد كيميائية ولا إلى طرق حديثة في الزراعة كما في موسم الشتاء، والبضاعة كثيرة في أسواق الجملة، والتجار الصغار يقولون ان التاجر الكبير يرفع أسعاره، والمزارع يقول ان أسعاره لم تتغير، بل العكس فإن بعض التجار يقولون ان البضاعة تكسد ولذلك فهم يريدون حسومات على الأسعار من المزارعين.
في سوق حي اللجا في منطقة المصيطبة، ترتفع الأسعار أكثر من سوق صبرا، التجار هنا يبررون السبب بارتفاع أسعار النقليات، وكذلك جشع التجار الكبار، ويرفضون المساومة على أسعارهم، ففي هذا الشهر لا تخلو المائدة يومياً من صحن الفتوش، وصنفين أو ثلاثة من الطعام، ولذلك ان لم تشتر منهم فغيرك على الباب. أسواق المدينة أو حتى التجار الموزعين في الأحياء يزيدون الأسعار حسب المنطقة وسكانها وقدراتهم المالية حسب ما يقول ابو علي بائع الخضار على العربة، ففي طريق الجديدة الأسعار تشبه أسعار سوق حي اللجا، لكن الحمرا لها أسعارها الجنونية، وكذلك منطقة فردان، ومار الياس وعين المريسة.
في شارع الحمرا، يزيد سعر ربطة النعناع ست مرات عن حي اللجا وثماني مرات عن سوق صبرا، وكذلك تصبح الخسة التي كانت تباع قبل شهر رمضان في صبرا بخمسمئة ليرة بألفين وألفين وخمسمئة لتصل الى الأربعة آلاف في رأس بيروت.
ازاء هذا الواقع تحركت مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد قبل بدء شهر رمضان وأبلغت تجار الخضر بضرورة وضع أسعارهم على البضائع كافة، وكذلك زادت عدد المراقبين داخل المصلحة من 30 مراقبا ًإلى نحو الـ110 ، بهدف منع نهب المواطنين وسرقة لقمة عيشهم. الا ان تحركها هذا لم يغير من واقع الامر شيئاً بحيث ان التجار المدعومين في معظمهم استمروا في استنزاف جيوب الناس ولم يأبهوا بقرارات المعنيين. ويعزو مدير مديرية مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والمدير العام للوزارة بالنيابة فؤاد فليفل سبب ارتفاع الأسعار إلى زيادة الطلب على البضائع. ويوضح "انه مع بداية كل شهر رمضان يزداد طلب نصف الشعب اللبناني على الخضار والفواكه والمواد الغذائية، حيث يكون الضغط كبيراً في الأيام الثلاثة الأولى من الشهر، لتخف الأسعار تدريجياً وتعود إلى شكلها الطبيعي."ويتابع"هنا دور مصلحة حماية المستهلك في ضبط المخالفات والطلب من التجار وضع أسعار البضائع والمنتوجات بشكل بارز لا يمكن اخفاؤه، وقد باشرت المصلحة مع أول أيام رمضان بتسيير جهازها بين الأسواق والمطاعم، في دوامات مختلفة لوضع حد لارتفاع الاسعار". ويؤكد ان "اي تحرك من الوزارة يوجب المساعدة من المواطنين، وخصوصاً الاحتفاظ بالفاتورة لتقديمها في حال الشكوى من ارتفاع غير مقبول في الأسعار".
[ غلاء..شاذ
غلاء الاسعار في لبنان عموماً يشكّل حالة شاذة من نوعها في العالم وتحديداً في المنطقة العربية. فارتفاع الأسعار الجنوني خلال أيام العام والتي تزداد من دون رقيب لا يمكن احتمالها، فكيف خلال شهر رمضان الذي تلتهب فيه الأسعار لتضاهي لهيب حرارة الصيف. الناس هنا يتحملون صوم يومهم كاملاً ليقعوا في تفاصيل أسعار ارتفعت مع ان كمية العرض في الأسواق ولدى المزارعين أكبر بكثير من حاجتها.
وأصحاب الدخل المحدود وكذلك أصحاب الدخل المرتفع، يرون فيما يحصل سرقة لأموالهم، من قبل بعض مستغلي الأسواق، لكنهم لا يستطيعون شيئاً مع هؤلاء التجار، فإما هم من الأسماك الكبيرة أو لديهم حيتان تحميهم، فيصيرون مثل المربعات الأمنية، ممنوعين من زيارات المتخصصين من وزارات ورقابة.
المواطن يشعر بعبء مالي خلال الشهر الكريم، في ظل أزمة اقتصادية في العالم تطل برأسها على الكثير من اللبنانيين الذين بدأوا بالعودة من الخارج بعد توقف أعمالهم، أو أيضاً مع توقف الكثير منهم في الخارج عن ارسال الدعم لأقاربهم، فالحياة هنا وهناك متوقفة على تغير رياح الأزمة وانحسارها ليعيد الناس أعمالهم التي فقدوها أو خفّت حركتها.
بعض التجار في الأسواق "أصحاب الأسماك الكبيرة، والمحميين من الحيتان" يعتبرون أن المشكلة هي في العرض والطلب، اي ان ارتفاع الطلب على الخضار يزيد من أسعارها بوجود كميات قليلة منها، لكن المزارعين يرفضون هذه النظرية خصوصاً في هذا الموسم الصيفي الذي تبقى فيه البضائع مكدسة في الأسواق وكذلك لدى تجار الجملة، فيما لا يقبض هؤلاء المزارعون ثمناً لزراعاتهم إلا كما يقول المثل "من الجمل أذنه". التجار ينفون ذلك، ويقولون ان هذه البضائع عمرها قصير ولا يمكن الاعتماد على بقائها لأكثر من يوم واحد وهم يضطرون إلى رميها لأنها في هذا الطقس تفقد قيمتها الغذائية، وكذلك تذبل أوراقها.
أما عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأخرى فحدّث ولا حرج فسوق اللحم والدجاج ارتفع أيضاً بشكل غير مفهوم، والسعر كذلك يتبدل بين حي وآخر فيما مسلخ اللحم واحد والتجار قلّة ومعروفون والضريبة التي تفرضها الدولة على هذه المواد هي نفسها اذا كانت موجودة اصلاً اذ ان مواد غذائية كثيرة لا ضريبة عليها، لكن للبعض مساربهم ليستفيدوا على رزق الناس بغياب أدوات فاعلة في الأسواق.
[ كلاج رمضان
قبل الدخول في تسعيرة الحلويات الرمضانية، وتحديداً الكلاج الذي يعتبر اكثر الحلويات الرمضانية شعبية، يفضل تحديد مكوناته وأسعار مبيعه. يتكون الكلاج من مادة اكتشف احد اللبنانيين قبل 35 عاماً نوعها، وهي في الأصل حلويات تركية كانت من أسرار بعض العائلات التركية، لكن الرجل استطاع بفضل مجموعة من التجارب أن يعرف سرّ هذه البضاعة، وصار يصنّعها في لبنان، ويبيعها بسعر أرخص بكثير من تلك التركية. مادة الكلاج الرقيقة هذه والتي تنقع في الماء يتم حشوها عادة بخلاصة الحليب البلدي "القشطة"، ولكن لأننا في عالم ثالث، والحليب الجاف أرخص من الحليب البلدي، يقوم التجار بغلي الحليب الجاف مع النشاء، لكي تتجمد المادة وتصير مثل "القشطة"، وتتم عملية الحشو واللف، ومن ثم قليها في الزيت مضافاً إليه السمنة، ليرش عليها بعض السكر المذاب "القطر". تختلف اسعار الكلاج كما كل المواد تبعاً للمنطقة المعد فيها للبيع, ففي الأماكن الشعبية سعرها 500 ليرة، ويرتفع في اخرى الى الف ليرة للقطعة الواحدة، ليصل الى الفين في مناطق اخرى وفي بعض الأماكن تباع الدزينة بستة وثلاثين ألف ليرة، مع ان القطعة الواحدة لا تكلف 100 ليرة لبنانية، فضلا عن القطايف المحشوة وصل سعر الواحدة منها الى الفي ليرة.
هذا عدا عن باقي الحلويات الرمضانية التي ترتفع أسعارها بشكل جنوني، كأنما الدنيا انتهت ومن يأخذ قطعة حلوى فسيدخل منطقة السماح.
[ كهرباء وماء
سوق الكهرباء هو الآخر يتغير في الشهر الفضيل، فأكثر أصحاب المولدات يرفعون أسعار أمبير الكهرباء المرفوع السعر أصلاً، والذي يزداد أسبوعياً كلما ارتفع سعر المحروقات. المولد يعمل في ساعات السحور أيضاً ولذلك يصير السعر زائداً عن الأيام العادية، مع ان الكهرباء لا تكون مقطوعة في هذا الوقت من اليوم وخصوصاً في بيروت، لكن "الشطارة" اللبنانية تفرض عليهم أن يأخذوا عيديتهم، مثلما الآخرون. وهنا تدخل العيدية في منطق الكلام، بدلاً من الرشوة أو بالأحرى السرقة.
لغة الرشوة ممتدة من الشاطر إلى هدية للأولاد وكذلك نفخ الجيبة، هذه اللغة التي تعتمد على سرقة المواطن والسكوت عن السارق على قاعدة "سمي بنتك رشا بيجي عريسها" و"طعمي الجيبة بتغيب العين وغيرها من الأمثال المخترعة حديثاً، لا يمكن حلّها إلا بتعاون المواطنين مع أجهزة الرقابة المختصة.
[طامة مطاعم
دخل رجل مع عائلته المؤلفة من زوجته وأولاده الثلاثة، لتناول وجبة الافطار في أحد المطاعم. الافطار يشمل خمس كاسات شوربة، وخمسة صحون فتوش، وخمسة أكواب عصير أو جلاب أو محلول قمر الدين، بالإضافة إلى قطعتي معجنات لكل واحد، وصحني حمص للطاولة، وخمسة صحون مغربية، وخمس قطع كلاج، وبعض الفاكهة وفنجاني قهوة للأب والأم، اكتملت السهرة بوصول الفاتورة التي تعدت 250 الف ليرة لبنانية. دفع الرجل الفاتورة وسأل عن سبب ارتفاع السعر، فقيل له ان هناك ثمن الجلوس إلى الطاولة، وثمن الطعام، وثمن الدخول إلى المكان في الشهر الفضيل، وكذلك عيدية العام التي لا تأتي إلا لشهر واحد في السنة.
عاد الرجل إلى منزله، ونام وهو يحلم براتبه الذي فقد ربعه في ليلة واحدة، كان كابوس ليلة صيف. أحلام وكوابيس تلك الليلة لم تكن قليلة، فالرجل تذكر كذلك قدوم عيد الفطر، وموسم دخول الأولاد إلى المدارس، وبعدها القرطاسية التي سيدفع ثمنها للمدرسة، وثمن المراويل، والطبيب، وانفلونزا الخنازير الذي يعدوننا ان يصيبنا جميعاً في الخريف والشتاء القادمين، وثياب الموسم الشتوي. رأى الرجل في نومه انه يقع عن أعلى بناء في بيروت، يقترب من الأرض رويداً رويداً، فيحاول الطيران، لكن أجنحته لا تساعده كثيراً فيعاود الاقتراب من الأرض بسرعة. إنه يهوي، لا أمل، يستيقظ على صوت جاره يشتم الغلاء وساعة اضطر ان يعد أولاده بشراء ألعاب لهم، لأنه لم يزد لهم "الخرجية"، فوجد ان خراب البيت جاء أيضاً مع الارتفاع الجنوني لسعر الألعاب التي تعتبر من الكماليات وتزداد عليها الضريبة كل عام، مع انها من حاجات الأطفال الأولى

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا