×

المطلوب أولاً اعتذار المؤسسة عن الأسلوب.. ثم، أين نقابة المحررين؟

التصنيف: إقتصاد

2009-10-06  05:52 ص  1765

 

سحر مندور

ُدّد التاريخ أعلى الرسالة: بيروت، في 21 أيلول 2009. وصل ساعي البريد إلى مدخل الزميلة «النهار» عند الرابعة بعد ظهر ذاك اليوم، حاملاً في جعبته أكثر من خمسين «كتاباً مضموناً مع إشعار بالاستلام». ما يستوجب إما صعوده لتسليمها لأصحابها باليد، أو نزولهم لاستلامها منه، على مدخل مقر عملهم.
منع أمن «النهار» الساعي من الصعود، فطلب الزملاء عبر الهاتف الداخلي، واحداً تلو الآخر، لينزلوا ويوقعوا ويستلموا مغلفاً فيه رسالة تقول: «تحية طيبة وبعد، لما كانت الإدارة، وبعد استنفادها الوسائل كافة المتوفرة لديها لمعالجة وضع الشركة المالي عن طريق زيادة الإيرادات مقابل ضبط النفقات عبر سياسات التقشف التي اتبعتها في السنوات الأخيرة، تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ القرار الصعب بتقليص عدد الأجراء لديها وذلك ضماناً لاستمراريتها. لذا، نبلغكم آسفين قرار إنهاء عقد عملكم لديها ابتداء من 31/12/2009 ضمناً، للأسباب الاقتصادية والمالية التي بتّم تعرفونها، وذلك عملاً بأحكام قانون العمل المرعية الإجراء في هذه الحال، وتدعوكم لمراجعة قسم المحاسبة في الشركة بشأن أية حقوق أو مستحقات في حال توجبها لكم».
الرسالة موقعة: «بكل تحفظ واحترام، شركة «النهار» ش. م. ل. / المدير العام المساعد نايلة تويني»، وإشارة تقليدية بخط صغير أسفل الصفحة تخبر أن «رأسمالها ثلاثة وأربعين ملياراً وخمسين مليون ليرة لبنانية مدفوع بكامله س. ت. رقم 13408 ـ بيروت».
انتهت الرسالة الموحدة و«الموجهة إلى» كل اسم من أسماء الزملاء المصروفين من وظائفهم في الزميلة «النهار».
من الشكل، قبل المضمون، بدأ الاعتراض المهني الذي اتخذ شكل اجتماع عاجل دعا إليه مركز «سكايز» للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (ضمن «مؤسسة سمير قصير») في مقره في الأشرفية أمس، بمشاركة وزير الإعلام طارق متري، ورئيس تحرير ملحق «النهار» الثقافي سابقاً الزميل المصروف من العمل إلياس خوري، وممثل نقابة الصحافة رئيس تحرير جريدة «دايلي ستار» مالك مروة، بالإضافة إلى ممثلي وسائل الإعلام ومحامين، «للبحث في الخطوات العملية الممكنة لمعالجة القضية».
في الاجتماع الذي حضرته مجموعة كبيرة من الزملاء، كان العتب عالياً، وقد اتخذ شكل غضب مبرر، تجاه نقابة المحررين تحديداً، التي اكتفت بإصدار بيان يوم السبت، أي بعد أكثر من أسبوعين على صدور تلك الرسالة، تشرح فيه أن «ما حصل في جريدة «النهار» وفي سواها (...) هو انعكاس لأزمة مالية حقيقية تواجهها الصحافة اللبنانية وسائر القطاعات الإعلامية بفعل الأزمة المالية العالمية، وشح الموارد الإعلانية».
من يدافع إذاً عن كرامات الصحافيين، بدلاً من تبرير موقف رب العمل؟ لا أحد.
وبناء عليه، طالب الياس خوري، باسم المصروفين، بأمرين. الأول: «ما جرى كان مهيناً لكرامة الصحافيين، ونطالب باعتذار من الإدارة الجديدة لجريدة «النهار» عليه، فالشكل العام للطرد لم يأخذ بعين الاعتبار أن الناس الذين أمضوا عشرين سنة وأكثر وأقل في المؤسسة هم شركاء فيها وليسوا أجراء». أما الثاني فهو: «النظر إلى مبدأ الصرف الكيفي، خاصة أن نقابة المحررين يرأسها ملحم كرم منذ 43 سنة، وهو وعائلته يمتلكون 12 امتيازاً.. ما يعني أن لا نقابة للمحررين، ولا توجد أي جهة تدافع عنا كصحافيين. فالبدعة اللبنانية جعلت من نقابة الصحافة نقابةً لناشري الصحف، ومن نقابة المحررين إدارةً لصاحب 12 امتياز مطبوعة!».
افتتحت الندوة بكلمة تشرح الموقف ألقاها الزميل سعد كيوان، ومن ثم تلاه ممثل نقابة الصحافة مالك مروة الذي أوضح «إننا نحن مع إكمال مسيرة المؤسسات الصحافية وخفض المصاريف، ولكن يجب إنجاز ورش عمل لايجاد الطرق الناجعة لتخفيف النفقات، فلا يكون التخفيف من خلال صرف الصحافيين بأساليب غريبة عجيبة، صحافيون عاشت جريدة النهار على أكتافهم في تغطياتهم للحرب الأهلية وسواها من الاستحقاقات اللبنانية يجب أن يعاملوا بأساليب تكريمية».
بعدهما، ارتجل إلياس خوري كلمته التي سردت واقعة الطرد بتفاصيلها المهينة، ثم تطرقت للأزمة المالية: «ما حدا حكي معنا عن أزمة بالجريدة. أنا عملت مع غسان تويني في «النهار»، ومش أكيد إنو بدي اشتغل مع الطقم الحالي. لو صار فيه مصارحة بالأزمة المالية، كان ممكن نستقيل. فالطرد آذى كثيرين. أنا كنت في باريس، وعلمت بالخبر قبل أن أعود وأستلم الرسالة. لكن، أحد الزملاء وصل إلى مقر عمله بعد ساعة من مغادرة ساعي البريد. توجه إلى عمله، واشتغل يوم الجمعة، ثم السبت، ثم الأحد، حتى قرأ في يوم الإثنين عن صرفه في جريدة «الأخبار». تلك إهانة لكرامة الصحافيين ولكرامة المهنة. في «النهار» التي كانت جريدة الدفاع عن الحريات الديموقراطية، مورس أسلوب بوليسي يشبه الأنظمة الديكتاتورية العربية، ما منعرف ليه نايلة تويني ومروان حمادة تصرفوا بهيدي الطريقة.. كأننا بعلاقة مع الغستابو. قال مدير التحرير الجديد غسان حجار إن المؤسسة أتت بشركة بوز آلن الأميركية لتنجز دراسة. لكن، هل يتم تثبيت السلطة الجديدة بإشاعة مناخ من الرعب والإرهاب في المؤسسة اليوم، نتيجة وجود ثلاثين موظفاً إضافياً، معلن عن طردهم قبل نهاية العام الجاري، من دون تحديد أسمائهم بعد؟».
وفي جوّ من الغضب العام من أسلوب الطرد، لا يخالجه حزنٌ على فراق المؤسسة، استمر الاجتماع، واستمر معه خوري في تفنيد ما بلغ المصروفين من إشاعات: «لم يطّلع أحد على هذا التقرير، ولست أكيداً من أن الهدر المالي يقع في قطاع الصحافيين لأن معاشاتنا نكتة. سمعت إشاعة تقول أن معاشي 14 ألف دولار، وأني أغيب لأربعة أشهر في أميركا حيث أدرّس في جامعة نيويورك. معاشي أقل من ربع هذه القيمة حتى، أما إقامتي في أميركا فتتم ضمن إجازة بلا راتب، أكتب خلالها للملحق وأشتغل فيه. إشاعة أخرى أفادت بأن المطرودين إما تجاوزوا السن القانونية أو يعملون في مؤسسة تلفزيونية أخرى إلى جانب عملهم في الأخبار، لماذا إذاً يبقى في المؤسسة موظفون تجاوزوا السن، وآخرون مستمرون في عملهم التلفزيوني؟ هذه الإشاعات تُنشر لإظهار القرار على هيئة إنقاذ للجريدة. لكن، في الواقع، لا مقياس عقلانيا للطرد، وهناك كيدية واستسهال بطرد الناس اللي ما عندن ضهر. وذلك كله يعني احتقاراً لمهنة الصحافة».
وكانت المديرة العامة المساعدة لجريدة «النهار» النائب نايلة تويني قد صرّحت أمس لوكالة الأنباء المركزية حول قضية الصرف بأن «من حق أي مؤسسة أن تعيد النظر في هيكليتها، وفي تجديد شبابها، وفي انهاء خدمات بعض من لا يفيدونها حالياً في شيء، وإن قدموا الكثير في مراحل سابقة، لأن المؤسسات ليست جمعيات خيرية ولا يمكنها تحمّل الأعباء الشاقة في هذا الزمن الصعب». وأكدت تويني أن «ما قمنا به في «النهار» هو خطوة إصلاحية على الطريق الصحيح».
وفي سياق كلام تويني، صبّ بيان نقابة الصحافة الصادر أمس، والذي أفاد بأن «الصحافة في لبنان قطاع خاص، ولئن كان لهذا القطاع تنظيم نقابي خاص، فليس من شأن هذا التنظيم النقابي ولا من حقه أن يتدخل في الوضع المالي لكل مؤسسة صحافية. فلا الصحافة عندنا مؤممة ولا لنقابة الصحافة صلاحية التدقيق في حسابات كل صحيفة وميزانيتها. ومن حق كل صحيفة أن تتصرف في هذا الشأن بما يحول دون اضطرارها الى التوقف النهائي عن العمل والاحتجاب النهائي بالتالي. وكل صحيفة تجد نفسها في مثل هذه الحال بين أمرين أحلاهما مر، وأهون الشرّين في مثل هذه الحال عدم الاستغناء عن خدمات كل العاملين في المؤسسة».
في اجتماع التضامن أمس، كانت للزمالة الصحافية حصّة في النقد العالي النبرة، إذ غابت معظم الصحف عن خبر الصرف، خاصة أن مدير التحرير الجديد للزميلة «النهار» غسان حجار قد صرح في حلقة تلفزيونية بأنه «لم ننشر أسماء المطرودين حفاظاً عليهم، ثم إن تلك قضية خاصة». فعقّب خوري على هذا الكلام بالقول: «على رأسنا الملكية الخاصة، لكن الصحافة ملكية عامة». وأكمل مستهجناً: «خبر طرد 50 صحافياً لا تنشره إلا جريدة واحدة!».
المخيف في المسألة أيضاً كان غياب معظم المصروفين عن الاجتماع، إن من «النهار» أو من الـ«أم تي في» (وذكرت الـ«أل بي سي» بصفتها أعلنت عن قرار صرف جماعي ولم تنفذه بعد)، وقد تم تبرير الغياب بالخشية على: إما المساس بعرض التعويض الذي قدّمته المؤسسة للمصروفين، أو إمكانية التفاوض مع مؤسسات أخرى، خاصة على مستوى المصروفين التلفزيونيين.
في المقابل، حضر وزير الإعلام طارق متري الاجتماع، للتعبير عن «احترامي وتقديري للاعلاميين والاعلاميات ومنهم كتّاب كبار ومهنيون محترفون. وجودي معكم هو تضامن معكم». ثم أشار إلى أن «الحوار هو السبيل للتخفيف من آثار القرار ولاستباق المشاكل». ودعا المؤسسات والصحافيين إلى الابتعاد عن أربع: الإهانة، الإثارة، الشماتة، والتهويل. وكرر دعوته لأصحاب المؤسسات الإعلامية وللصحافيين لتنظيم المهن الإعلامية، وخلق شبكة أمان اجتماعي، والاتفاق على شرعة السلوك المهني، والبحث عن أساليب لمواجهة الأزمات المالية، ووضع سياسة للتعامل مع المتغيرات المتسارعة.
وإثر سؤال، اكد أنه دعا إلى أكثر من اجتماع لكتابة مشروع قانون يتضمن هذه النقاط، لكن أحداً من المعنيين لم يلبِ الدعوة: «وأنا لا أملك أي وسيلة غير الدعوة».
احتد النقاش في سؤال وجواب بعدها، صبّ معظمها في نقد أداء نقابتي الصحافة والمحررين الفاضح، وفي البحث العقيم عن سبل لمواجهة هذا التسيب في إدارة شؤون الصحافيين. فاتُفق على صياغة بيان يصدر اليوم باسم «سكايز»، واختُلف حول الدعوة لاعتصام «لأن الصحافيين العاملين سيخشون على أنفسهم، والصحافيون المقبلون (طلاب الصحافة) سيخشون على مستقبلهم»، بحسب أحد الصحافيين الشباب. ما يولد شعوراً بالاختناق أمام واقع شبيه تعيشه واحدة من أبرز المهن المختصة في صناعة الرأي العام

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا