×

قراءة اقتصادية في أسباب أزمة عز الدين.. و«المطلوب حملة توعية»

التصنيف: إقتصاد

2009-10-12  05:58 ص  1593

 

 

 فاتن قبيسي

يشكل إفلاس بعض رجال الأعمال ممن يستثمرون أموال مجموعة من المواطنين، ظاهرة تتكرر كل فترة في لبنان. فمن قضية «الداعوق» الى خليل حسون، صاحب «مجموعة جواد الاستثمارية»، وصولاً الى قضية المدعى عليه اليوم صلاح عز الدين. علماً بأن هناك آخرين ينضمون الى اللائحة، الا أن قضاياهم بقيت بمنأى عن الإعلام، ربما لأن حجم الاستثمارات الإجمالي المهدور في كل قضية لم يكن مرتفعاً، أو ربما لضيق مروحة المستثمرين.
وبالرغم من تكرار هذه الظاهرة، لا يفتأ الكثير من صغار المستثمرين وكبارهم، يضعون حصيلة أعمارهم في عهدة رجال أعمال، يسمعون عنهم أكثر مما يعرفونهم، ويبرمون معهم عقوداً بفوائد خيالية، تبدأ لدى البعض كونها مصيدة وتنتهي بكارثة.
وفي كل مرة، تعلو فيها صرخة المستثمرين، على أثر إعلان إفلاس أحد رجال الأعمال، تتوالى الأسئلة عن طبيعة العقود المبرمة، وما إذا كان لمصرف لبنان، أو الهيئات الرقابية فيه دور في لجمها، أو في كشف المخالفين، والجهة التي تتحمل المسؤولية. كما يبرز استفهام عن أسباب عدم وجود ضوابط قانونية للحد من هذه الظاهرة، فيما يتحفظ الكثيرون على العقوبة التي ينالها المفلس في كل قضية، والتي لا تشكل في رأيهم رادعاً أمام الغير لعدم خوض الغمار ذاته، ولا ضماناً للضحايا في استرداد أموالهم.
وبالنظر الى قضية مادوف في الولايات المتحدة الاميركية، والذي تسبب بضياع اموال المستثمرين، والبالغة 65 مليار دولار، فإنها شكلت انطلاقة للقيام بحملة توعية إعلامية كبيرة، الأمر الذي لم يحصل في لبنان، خصوصاً بعيد إعلان إفلاس عز الدين. وهي الحملة التي يشدد على ضرورة القيام بها في لبنان، كل من الخبيرين الاقتصاديين غازي وزنة ولويس حبيقة، في حديثهما لـ«السفير»، في إطار تحليلهما للظاهرة.
ويحمّل وزنة في قضية عز الدين المسؤولية للقطاع المصرفي، وخصوصاً المصارف التي كان عز الدين يتعاطى معها، والتي كان عليها إبلاغ السلطات الرقابية بحصول عمليات مالية ومصرفية غير واضحة. وفي حال حصول مثل هذا البلاغ، تتحمل المسؤولية في هذه الحالة كل من «لجنة الرقابة على المصارف» و«هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الاموال».
من جهته، يعفي حبيقة مصرف لبنان والهيئات الرقابية من المسؤولية في قضية عز الدين، معتبراً أن المسؤول الأول هو المستثمر نظراً لجشعه، وعز الدين الذي أساء التصرف. وينفي امكانية وضع ضوابط قانونية للحد من هذه الظاهرة، كي لا تضرب مبادئ الاقتصاد الحر في لبنان، لافتاً النظر الى اهمية اقرار مشروع قانون السلامة النقدية، والذي يمكن ان يلعب دوراً مهماً في الاشراف على كل ما يحصل في الاسواق المالية.
من جهته، وحسماً لهذا الخلاف في وجهات النظر، يقول عضو «لجنة الرقابة على المصارف» الدكتور امين عواد لـ«السفير»: «ان مثل هذه الاعمال المصرفية غير خاضع للرقابة المصرفية». ويلفت الى أن «هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال» أجرت تحقيقاً، على اثر بلاغ وصلها من احد المصارف، عن وجود حركة لافتة في بعض الايداعات الخاصة بعز الدين، ووجدت ان حركة الشيكات غير خاضعة لحركة تبييض الأموال.
ماذا في التفاصيل؟
وزنة: القطاع المصرفي مسؤول
يرد الخبير الاقتصادي غازي وزنة هذه الظاهرة في لبنان الى اسباب عدة، أولها طمع المستثمر بالمردود المرتفع الذي يأخذه. ثانياً، ضيق مجالات الاستثمار في لبنان بالنسبة الى صغار المستثمرين، الذين لا مجال أمامهم الا وضع ودائعهم في المصرف، علماً أن الفوائد المصرفية متدنية حالياً. ثالثاً، عدم اتساع مجالات الاستثمار بالنسبة الى كبار المستثمرين، واقتصارها على الاستثمار في بورصة بيروت أو القطاع المصرفي أو القطاع السياحي.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة كانت الاستثمارات في البورصة متقلبة جداً، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية، وهو ما ينطبق أيضاً على القطاع السياحي.
ويشير وزنة الى أن الاستثمار الوحيد الذي لم يكن يحتاج الى معرفة واسعة هو الاستثمار العقاري. لذلك عندما طرح عز الدين استثمارات في هذا المجال مع مردود مرتفع، على متوسطي المستثمرين وكبارهم، استجابوا لها، وخصوصاً بعد مقارنتها من البعض مع المداخيل الناجمة عن النشاطات الاقتصادية والتجارية الأخرى.
ويضع وزنة المسؤولية الأولى في هذا المجال على عاتق القطاع المصرفي اللبناني، وتحديداً المصارف التي كان يتعاطى معها هذا المستثمر الكبير (عز الدين)، لأنه كان بإمكانها برأيه التدقيق لمعرفة التحاويل والنشاطات الاقتصادية التي يقوم بها. وكان يفترض بها حيال عمليات مالية ومصرفية غير واضحة، وجزء كبير منها خارج الاطار اللبناني، إبلاغ «لجنة الرقابة على المصارف»، و«هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال». خصوصاً أن البيئة الاستثمارية والاجتماعية في لبنان ضيقة، ولا يخفى على أحد ما يحصل للآخر. ويشير وزنة الى «ان عز الدين كان يضع مبالغ كبيرة تقدر بمئات آلاف الدولارات نقداً في المصارف، وهذا يتعارض مع قانون النقد والتسليف، الذي يفرض ضرورة إبلاغ السلطات المصرفية بذلك».
ورداً على سؤال عن إبلاغ احد المصارف «لهيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال» بوجود حركة مالية غير طبيعية في حساب عز الدين، يعلق وزنة: «إذا تبلغت الهيئة فعلاً بأن ثمة عدم وضوح في العمليات المصرفية لأحد عملاء المصارف، ولم تتمكن من فعل شيء، فالمسؤولية تقع عليها مضاعفة، كما على «لجنة الرقابة على المصارف»، التي من ضمن مسؤولياتها معرفة كيفية استخدام أموال المودعين، أي كيفية ضمان أموالهم خلال استخدامها في القروض والتسليفات للمصارف. ولا يمكن للجنة أو الهيئة التنصل من المسؤولية، حين يصلهم تبليغ رسمي بعمليات غير واضحة، وخصوصاً أن العالم منذ سنة، يعيش أزمة مالية واقتصادية عالمية، أحد أسبابها هو ضعف الرقابة من قبل السلطات النقدية، وأن جميع المؤتمرات والقمم المالية العالمية تشدد منذ سنة على ضرورة تعزيز الادوار الرقابية، والإشراف على الأعمال المصرفية، لضمان عدم إفلاس المصارف وانهيارها. لذلك لا يمكن للسلطات النقدية التنصل من المسؤولية، في ظل أزمة مالية عالمية، كان أحد أسبابها الاساسية القطاع المالي والمصرفي العالمي».
وعن انعكاس الأزمة المالية الناتجة من إفلاس عز الدين، يرى وزنة أنها تنعكس تبعاً لنوعية المستثمر، وأن صغار المستثمرين ومتوسطيه هم الفئة التي خسرت الجزء الأكبر من مخزونها المالي. وستظهر انعكاسات هذه الخسارة أكثر فأكثر اجتماعياً ومعيشياً في الايام المقبلة. أما الخسارة الثانية فأصابت كبار المستثمرين، ممن قرروا تصفية نشاطاتهم الاقتصادية وإقفالها، وصرف آلاف الموظفين ليضعوا أموال هذه التصفيات في يد عز الدين. ويتوجب على هؤلاء العمل مستقبلاً بجهد أكبر لتعويض هذه الخسارة.
أما على الصعيد الوطني، فيرى وزنة أن تداعيات الأزمة محدودة جداً. فيما ستظهر تداعياتها الاجتماعية والمعيشية على صعيد بيئة المستثمر في الاشهر المقبلة، من خلال تراجع الاستهلاك في هذه المناطق، وتراجع النشاطات التجارية، وتوقف العديد من المشاريع.
ويلفت وزنة نظر المستثمرين الى أن هذه الظاهرة مناقضة لقانون النقد والتسليف، لأن صلاح عز الدين ليس لديه شركة مالية أو مصرف. ويطلب من كبار المستثمرين «ان يملكوا الواقعية في عملية الربح والخسارة، والتوجه الى المؤسسات المختصة في هذا المجال، وطلب استثمارات مضمونة الرساميل . علماً بأن في لبنان العديد من التوظيفات في هذا الإطار».
ورداً على سؤال يوضح وزنة أن التحويلات بالدولار تتم عن طريقين: عن طريق المصارف في الولايات المتحدة الاميركية (المصرف المراسل في نيويورك)، وداخلياً عبر المصرف المركزي. وعمليات مثل هذه تتم عبر شركات متعددة، وليس باسم عز الدين الشخصي، وخصوصاً أن معظم العمليات التي تكبدت خسائر كانت خارجية، لأن الاستثمارات في لبنان، وغالبيتها في المجال العقاري أو في بورصة بيروت، أو في القطاع السياحي والتجاري، جميعها سجلت أرباحاً قياسية مؤخراً، فضلاً عن أن سوق بيروت آمن وضامن لهذه الاستثمارات، بينما غالبية هذه الخسائر وقعت جراء عمليات تمت في الدول العربية (عقارات)، أو في أسواق عالمية نفطية، أو في مجال التجارة بالحديد والمعادن.
حبيقة: الجشع وسوء الأخلاق سببا الأزمة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة «ان قضية مادوف الذي أساء استثمار 65 مليار دولار في أميركا، وقبلها قضية ستامفورد الذي بدد مليارات عدة من الدولارات، لفتا انتباه بعض اللبنانيين من المستثمرين الذين بدأوا يطالبون عز الدين بأموالهم، ويكفي أن يفعل ذلك أربعة أو خمسة أشخاص، حتى ينكشف أمر إفلاسه، وخصوصاً أنه يأخذ أموالاً من أشخاص ويعطيها لآخرين».
أما سبب هذه الظاهرة برأي حبيقة، «فهو سوء أخلاق بعض رجال الاعمال، وثمة «إعلانات قضائية» عديدة في الصحف، تخبر عن إفلاس أشخاص معينين، «عايشين توب» اليوم، يعني أنهم اختلسوا أو هربوا أموالهم الى الخارج. اذاً قلة الاخلاق تزيد مع الوقت». وأكد على «أهمية قضية مادوف لأنه حُكم عليه بالسجن 150 عاماً، ما يعطي دروساً في هذا المجال للناس في كل دول العالم، في حين أن أحدهم أفلس في لبنان منذ سنوات عدة، ولم ينل عقوبة، بحجة أنه أعاد قسماً من الأموال الى المستثمرين، فيما تنازل آخرون عن حقوقهم. وقد تم تجاهل الحق العام، باعتبار أن الرجل أساء للوضع الاقتصادي العام، وأخلّ بالاستقرار المالي».
ويؤكد حبيقة «ان لا علاقة لمصرف لبنان أو «لجنة الرقابة على المصارف» بهذه القضية، بل انه يهتم بالقطاع المصرفي والسلامة النقدية. والمسؤولية تقع هنا على المستثمرين، بسبب شجعهم ومنحهم الثقة لأشخاص غير مؤهلين لها، وبالتالي على الشخص الذي أساء التصرف. فمصرف لبنان لا يمكن له أن يقوم بدور «البوليس».
وركز حبيقة على ضرورة توعية الناس، واعتبر أن مجرد القول بإعطاء 25% كعوائد ربحية، يجب أن يكون سبباً للظن، وليس عاملاً للثقة. علماً بأن معدل العام للاستثمار لا يمكن ان يتجاوز الخمسة بالمئة. والناس يجب أن تكون أكثر وعياً، بحيث تستفسر أكثر عن مؤهلات الرجل العلمية والاخلاقية، وعن تاريخه بالبورصة والنشاط التجاري.
ألا يمكن استحداث نص قانوني يضع قيوداً على مثل هذا النوع من العقود الاستثمارية، والتي يسميها البعض عقود مرابحة؟
يجيب حبيقة على السؤال بالقول: «ثمة أمر موجود في الدستور، وفي العقل اللبناني على حد سواء، ويسمى «بحرية العقود». ولا يمكن التدخل في عقد شخصي مبرم بين طرفين، وإلا نكون ضربنا بذلك مبادئ الاقتصاد الحر».
ويلفت النظر الى مشروع قانون الأسواق المالية، الذي يتنقل بين مجلسي الوزراء والنواب منذ حوالى خمس سنوات، ليرقد اخيراً في درج مجلس النواب. وشدد على ضرورة إنشاء مؤسسة في لبنان، على غرار «مؤسسة التبادل المالي» S.E.C الموجودة في أميركا، ومهمتها الاشراف على كل ما يحصل في الاسواق المالية. ولا يعني ذلك أن تضع المؤسسة عينها على كل عقد يبرم بين طرفين، بل تقوم على الاقل بالاشراف العام، بمعنى أنه إذا تم تجاوز القوانين، أو حصل غش أو اختلاس أو احتيال، يكون لها دور قانوني في هذا المجال. ويلفت النظر الى «أن مؤسسة S.E.C الاميركية تحركت فوراً في قضية مادوف، بناء على شكاوى، وأرسلت مفتشين، ودققت في الحسابات، وهي التي أعلنت إفلاس الرجل. ولكن السؤال يتمحور هنا، حول ما إذا سيكون هناك مؤسسة مماثلة فاعلة في لبنان، وليست على شاكلة مؤسساتنا. ولكن في أسوأ الأحوال يصبح لدينا جهاز يتدخل وقت الحاجة، لأنه ليس من اختصاص القضاء القيام بهذا الدور، علماً بأننا ما زلنا في نقطة الصفر. ومثل هذه المؤسسة تحتاج للتشريعات اللازمة، ولموظفين أكفّاء وعلى قدر من النزاهة، وأي وزير للمالية في الحكومة المقبلة، يجب أن يسترد مشروع القانون ليدرسه مجدداً ويعدله، لأن ثمة أمورا كثيرة طرأت في السنوات الأخيرة على المستوى المالي في البلد».
وعن انعكاس الازمة، يقول حبيقة «إن المستثمرين وحدهم هم ضحايا إفلاس عز الدين، الذي تسبب به إما الجهل أو سوء الامانة. وإذا كان للقضية تأثير آخر برأيه، فهو لكونها شكلت درساً للغير من أجل عدم الوقوع في فخ مماثل، خصوصاً أن كثيرين كانوا قد سلموا أموالهم الى عز الدين، من دون حتى أن يستلموا إيصالات، وهو أمر يسبب للمرء دوارا».
لجنة الرقابة على المصارف
ويقول عضو «لجنة الرقابة على المصارف» في مصرف لبنان الدكتور أمين عواد ان مثل هذه الاعمال المالية غير خاضعة للرقابة المصرفية، وهي تشكل بطبيعة الحال ظاهرة في دول العالم، وآخرها الولايات المتحدة الاميركية، التي بالرغم من وجود ثلاث سلطات رقابية فيها، تسبب مادوف بتبديد 65 مليار دولار. ويحق لأي شخص بموجب قانون التجارة اللبناني ان يقوم بعمليات تسليف، من دون ان يخضع لترخيص من مصرف لبنان، أو إشرافه، أو إشراف «لجنة الرقابة على المصارف».
ورداً على سؤال، يوضح «ان أحد المصارف وجد حركة دخول وخروج لافتة في الاموال، وحققت بالأمر «هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال»، ووجدت ان حركة الشيكات غير خاضعة لحركة تبييض الأموال. بل انها شيكات طبيعية، تصله من أشخاص يتاجرون معه ويعطيهم أرباحاً. كما تصله شيكات من الخارج، من خلال شركات يتعامل معها. فعمله تجاري بحت. والهيئة اذاً قامت بدورها بشكل صحيح، وعز الدين بالنهاية ملاحق بجرم الاحتيال، بغض النظر عما اذا كان احتيالياً أو تقصيرياً، وليس بتهمة عمليات تبييض الأموال».
ويقول: «تردنا شكاوى احياناً عن أشخاص يعملون في مجال الاستثمار، ممن يحملون ترخيصاً من مصرف لبنان، أو عن آخرين يزاولون مهنة الصرافة من دون ترخيص، فنرسل في الحالين أشخاصاً متخفين للوقوف على الوقائع».
ورداً على سؤال يؤكد عواد «انه مهما وضعنا ضوابط، يبقى هناك مجال للاحتيال، ثم ان إصدار قانون يحتاج الى مجلس النواب والوزراء، فيما البلد اليوم في حالة فراغ حكومي».
ويتفق مع وزنة وحبيقة على ضرورة القيام بحملة توعية، يشارك فيها مصرف لبنان و«لجنة الرقابة على المصارف» ووزارة الاقتصاد، وكل الاحزاب والأطراف. وينصح الناس بعدم التعامل إلا مع الاشخاص «المرخصين».

 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا