×

شكري سرحان ... المسرحي !..

التصنيف: أقلام

2017-07-04  11:10 م  414

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

بقلم : خليل إبراهيم المتبولي
شكري سرحان السينمائي الملتزم والخلوق ، صاحب التاريخ الطويل والفنان اللامع والمتألّق ، ذو النجومية في عالم السينما المصرية والعربية ، هو أيضاً نجمٌ مسرحيٌ لا يقل تألّقاً ولا التزاماً بقيم الفن المسرحي ، وكان دقيقاً جدا في اختيار أدواره المسرحية لأنه كان يؤمن بالنوعية لا بالكمية ،  إلاّ أنّ انشغاله الدائم بالسينما ورَكْضِ المخرجين والمنتجين السينمائيين وراءه لشخصيته وقدرته التمثيلية قلّلت من أعماله المسرحية  وحرمت الجمهور من إطلالاته المباشرة عليهم...
فنانٌ منذ صغره ، كان يهوى تركيبَ شخصياتٍ ويعمل على تأديتها بإتقان أيام المدرسة ، في المرحلة الثانوية كان يقام حفلات آخر السنة ، يقدَّم فيها أعمال مسرحية  ، وكان شكري سرحان يشارك فيها ، ضمن هذه الحفلات قدّم شكري دور أنطونيو في مسرحية يوليوس قيصر ، ودور جان دينو في مسرحية القضية ، فأُعجب به وزير التعليم آنذاك وبتفوقه الذي كان يحضر معظم الحفلات  ، ومنحه منحةَ مجانية التعليم في جميع المراحل ، بعد تخرجه من المرحلة الثانوية قرّر شكري سرحان أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية إلا أنّ والده عارضه بقوة ورفض الموضوع رفضاً قاطعاً و أصدر قراراً بمغادرة إبنه بيت الأسرة ولا يعود إليه إلا إذا عدل عن الفكرة ، وهذا ما حصل ، خرج شكري سرحان من البيت وقضى ثلاثة أيام بلياليها في شوارع ومساجد السيدة زينب ، إلى أن تدخّلت والدته بشدّة لدى والده الذي سمح لإبنه أن يعود إلى البيت ويلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، أتت هذه الموافقة تحت ضغط الأم المستمر . مع الأيام ، ومع الجهد والتعب وإثبات الذات ، ذاع صيت شكري سرحان واشتهر نجمه ، وصار والده فخورا به  ، فرحاً لما حصل عليه ولده من محبة الناس واحترامها له ...
عام 1947 تخرّج من المعهد العالي للفنون المسرحية والتحق مباشرة بفرقة المسرح القومي ، وقدّم أولى مسرحياته وأولى أدواره على المسرح في مسرحية ( أولاد الشوارع ) التي كتبها أنذاك يوسف وهبي ، والتي جعلته محط أنظار المخرجين والمنتجين السينمائيين والذين رأوا فيه بطلاً ونجماً سينمائياً وفتى أول من نوع جديد وخاص وله نكهة مختلفة عن أبطال ونجوم الشاشة الأوائل في ذلك العصر  ، أخذوه إلى عالم السينما وغاب عن المسرح طويلاً الذي كان يعتبر خشبة المسرح محبوبته وعشيقته . عام 1967 عرض عليه الكاتب نجيب سرور مسرحية بعنوان ( أه يا ليل يا قمر ) ليقوم ببطولتها ، بعد قراءتها وافق وقرر التفرّغ لها ، لأنه اعتبرها صرخة للإتحاد وللتحدي ولمواجهة العدو الذي كان يهدّد الحدود المصرية والعربية ، قدّمها وأبدع في أدائه وعروضها ، ومن بعدها وللأسباب ذاتها قام ببطولة مسرحية ( ياسين ولدي ) لفرقة تحية كاريوكا ومن إخراج الراحل كرم مطاوع ، ونجحت المسرحية نجاحاً كبيراً ، ومن خلالها أثبت شكري سرحان أن العمل المسرحي الجاد الذي يقدّم الكلمة الراقية والحس الفني العالي وهو صاحب الكلمة العليا في جذب عقل ووجدان الجمهور المشاهد ...


بعد حرب 1973 قدّم مسرحيتين هما ( أيوب الجديد ) للكاتب يوسف الحطاب التي كانت تصور حالة اليأس الشديدة التي كان يعيشها المجتمع المصري في أعقاب نكسة 1967 والصبر في إعادة بناء ما دمّرته النكسة في النفوس وإزالة أثار العدوان ، ولعب شكري سرحان دور أيوب المصري الذي كان يعاني الأثار النفسية التي أحدثتها النكسة في نفسه وانعكست عليه مرضاً أقعده ولم يبرأ منه إلا عند تباشير النصر ، والمسرحية الثانية ( رأس العش ) قدّم شكري واحدة من أجمل المسرحيات التي عبّرت عن صمود الجندي المصري وبسالته أثناء حصار رأس العش حتى كُتب لها النصر .
عام 1982 أنشأ الفنان عبد الغفار عودة فرقة المسرح المتجول ، هدفها وصول المسرح إلى المتفرّج حيث يكون في كل أرجاء الوطن ، آمن شكري سرحان في الفرقة وهدفها ، وقدّم من خلالها مسرحيتين  الأولى (أزمة شرف ) وهي صرخة في وجه الفساد والرشوة والمحسوبية من المتاجرين بلقمة عيش الشعب والمستغلين لأزماته الإقتصادية والمستفيدين من التحولات الإجتماعية الكبرى والتي تهز المجتمع وقيمه بعنف . والثانية ( رجال الله ) قدّم فيها رحلة وعرضاً بانورامياً لعدد من أولياء الله والمتصوفين الزاهدين ، وقد عُرضت في بعض الأماكن الطبيعية مثل ساحة مسجد سيدي المرسي أبو العباس في الأسكندرية ولاقت نجاحاً شعبياً ، ومن ثم قُدّمت في عدد من المحافظات المصرية . وهاتان المسرحيتان كانتا من إخراج عبد الغفار عودة ...
هذا الحب الكبير للمسرح ،والأعمال المسرحية القليلة التي قدّمها ، كان يعتبر شكري سرحان أنّ المسرح كفن له هيبة وتقدير ، حتى أنه قال ذات مرة : " إنّ حلمي كان أن أقدّم هاملت على المسرح ، هذا الدور الصعب على أي فنان والذي أعتبر أنّ عبور المحيط سباحة أهون من القيام بهذا الدور ."  كان فناناً بكل ما للكلمة من معنى ، كان ملتزماً بالفن الرفيع ، وملتزماً خلقياً في حياته الخاصة حتى أنه أصبح  نموذجاً مشرّفاً لكل ممثل يريد أن يكون قدوة ، ويريد أن يقدّم رسالة الفن في أعظم صورها ... 
شكري سرحان أغمض عينيه صباح يوم الجمعة 21 أذار عام 1997 ، ورحل عن دنيانا تاركاً وراءه إرثاً فنياً سينمائياً كبيراً ومسرحياً ، وذكرى فنان خلوق ونادر ...

 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا