×

صيدا ـ بيروت.. دوّامة سامر اليوميّة

التصنيف: نسوان

2015-07-01  09:50 م  667

 

ميريام سويدان - السفير

«الله يسترنا من شوبات آب»، يقول الحاج ذو اللّحية البيضاء. يكرّرها رغم أنّ نوافذ «الفان» مشرّعة، والهواء يلعب فيه. لا تفارق المرآة يد السّيدة في المقعد الثّاني، تتفقّد أحمر شفاهها كلّ خمس دقائق، ثمّ تتابع مضغ العلكة بطريقةٍ مزعجة. يجلس سامر على المقعد الأكثر اهتزازاً عند كلّ مطبٍّ أو حفرة: المقعد الخلفيّ. يتّكئ على كتفه الأيمن رجلٌ خمسينيّ، ويشخر. الأغاني الشعبيّة تصرع أذنيه، كما شخير الرّجل. يستعرض السائق مهاراته في القيادة. يتأفّف الحاج من السّرعة. يضمّ سامر رجليه محاولاً الابتعاد قليلاً عن الخمسيني علّه يستيقظ من قيلولته.
ينظر إلى السّاعة، مرّت خمس وأربعون دقيقة، اقترب من الوصول إلى الكولا. «باقي عجقة المدينة الرّياضيّة»، يقول بينه وبين نفسه.
يصل إلى موقف الكولا. ينزل من الـ «فان» بسرعة ويشعل سيجارة. يفضّل رائحة الدخان على رائحة البول المستوطنة في الموقف، في انتظار مرور سيّارة أجرة. تمرّ السيارة الأولى. «الرّوشة؟».
يتابع السّائق طريقه ولا يلتفت إلى سامر. تصل الثّانية:
- «الرّوشة؟ أوتيل لانكاستر».
- «سرفيسين»، يقول السّائق رافعاً السبابة والوسطى.
يستقلّ سامر السّيارة، لا يستطيع أن يتأخّر أكثر عن عمله. يحاول الشّاب العشرينيّ كل يوم ألّا يتأخّر عن موعد العمل عند الرّابعة من بعد الظهر. لا يريد أن يُحسم له من المعاش، ولا أن يضطرّ للاستماع إلى توبيخ المدير.
يصل إلى الفندق. يبدّل ثيابه بسرعة، ويدخل إلى المطبخ ليتأكّد من أنّ الأمور تسير على ما يرام.
يعيش سامر هذه المغامرة يومياً بين صيدا وبيروت. يمتدّ دوامه من الرّابعة بعد الظهر وحتّى منتصف الليل. اختار دواماً مسائياً، لأنّه منشغل بصفوفه الجامعيّة صباحاً. هو طالب في السنة الثالثة في إدارة الفنادق، «هالاختصاص فيه مصاري، بس ما إلو سوق بصيدا»، يقول سامر. يرى أنّ «البرّاني» الذي يحصّله عليه كافٍ كأجرةٍ للمواصلات التي تصل تكلفتها في اليوم الواحد إلى عشرة آلاف ليرة. أمّا ما يتقاضاه شهريّاً، فيصل إلى المليون والمئتي ألف ليرة.
«قليلٌ من الكحول يعطيها نكهة ألذّ»، يقول سامر لزميله في المطبخ، وهو يقلّب قطعة اللّحم باحتراف. يهوى الزّبائن ما يقدّمه سامر من أطباق. يقول زميله وليد: «سامر الكلّ بالكلّ هون، المدير بمرّقلو كتير، نحنا بحاسبنا عالغلطة!».
تمرّ الساعات الثماني. يتلاقى عقربا السّاعة عند الرّقم 12. يخلع سامر قميصه الملطّخ ببقايا الطعام، يطويه عشوائيّاً ويضعه في الكيس، ثمّ يخرج إلى الشارع. تتوقّف سيّارة أجرة يقودها عجوز.
ـ «كولا؟».
ـ «طلاع». يصمت السّائق قليلاً، ثمّ يقول: «وين رايح من بعد الكولا؟ بدّك وصلك؟».
ـ «صيدا، شكراً».
ـ «أوف! ليه بهاللّيل؟».
ـ «هلّأ خلّصت شغلي». بالكاد يتفوّه سامر بالكلمات.
ـ «شو الله جابرك، شو انقطع الشّغل بصيدا!».
لا يكترث الشّاب لحديث السّائق، الذي يقول: «ع كل حال إذا بدّك بوصلك. ثلاثين ألف».
ـ «شكراً».
يصل إلى الكولا، يسارع بالنّزول، فقد أنهكه حديث العجوز. يشعل سيجارة، اثنتين، خمساً. يمرّ «فان» فيه ثلاث ركّاب.
ـ «صيدا؟».
ـ «طلاع».
ينظر السّائق إلى سامر في المرآة ويقول باستهزاء: «حظّك حلو طلعت بطريقك، الشّوفريّه وقّفوا بكّير اليوم».
ـ «كتّر خيرك».
تمرّ نصف ساعة، الطّريق شبه خالية. يصل الـ «فان» إلى موقف النّجمة في صيدا. يخرج سامر من جيبه ألفيّ ليرة ويعطيهما للسائق.
ـ «شو هول؟ عم باخد تلات آلاف».
يسحب ألف ليرة أخرى. «يعطيك العافية»، يقول، ثمّ يشرع بالسّير إلى بيته الذي يبعد أمتاراً عن الموقف.
يفكّر سامر في طريقه، كما في كلّ يوم، بالانفصال عن أهله والسّكن في بيروت، خاصةً أنّه في سّنته الجامعية الأخيرة. يتذكّر وجه أمّه الحزين حين أخبرها برغبته هذه، وبقول والده «إذا بتضهر من البيت ما إلك رجعة». يصل المنزل، يهيّئ نفسه للنوم بضع ساعات، ليبدأ من جديد في اليوم التالي.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا