الدور التربوي والاجتماعي للمسجد

 

أولاً : المسجد ومكانته

للمسجد في الإسلام مكانة سامية ترتبط بوظيفته التي تنهض بالفرد والمجتمع. وسوف نعرض لتعريف المسجد ثم لأهميته.

المسجد في اللغة : المسجد بالكسر اسم لمكان السجود.

المسجد في الشرع : يطلق على المكان المعد للصلوات. قال الزركشي : >كل مكان يتعبد فيه فهو مسجد لقوله  صلى الله عليه و سلم   : >وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً<.

والجامع : نعت للمسجد لأنه مكان اجتماع الناس، وإذا كانت تقام فيه الجُمَع أطلق عليه "المسجد الجامع".

وفي ذلك يقول المقريزي : ولما افتتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجداً للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص، وهو على الكوفة، بمثل ذلك. وكتب إلى عمرو بن العاص بمثل ذلك وهو على مصر.

والمسجد هو أحبّ البقاع إلى الله تعالى. فهو قلعة الإيمان وحصن الفضيلة، وهو بيت الأتقياء ومكان اجتماع المسلمين يومياً. وهو مركز مؤتمراتهم ومحل تشاورهم وتناصحهم، والمنتدى الذي فيه يتعارفون ويتآلفون وعلى الخير يتعاونون. لذا كان المسجد أول شيء يهتم به النبي  صلى الله عليه و سلم   حين قدم المدينة حيث أرسل إلى ملأ من بني النجار فقال : >يا بني النجار ثامنوني لحائطكم هذا<، قالوا : والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. وكان فيه قبور المشركين فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطعت، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادته الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون، والنبي  صلى الله عليه و سلم   معهم وهو يقول : >اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرين<.

فكان بناء المسجد أول المهام التي بادر رسول الله إلى إنجازها منذ الهجرة الشريفة، فبنى لله مسجداً قبل أن يبني لنفسه بيتاً في المدينة المنورة. وذلك لأهمية المسجد في بناء الشخصية المسلمة وتنشئتها. وكان هذا منهج الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين من بعده حتى توالى بناء المساجد مع الفتوحات الإسلامية.

ولأهمية المسجد في الإسلام رغب الدين الحنيف في بناء المساجد وعمارتها، وقال تعالى : { إنما يَعْمُر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يَخْشَ إلا اللهَ فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين }. فرغب النبي، عليه السلام، في بنائه ووعد بالثواب العظيم والأجر الجزيل على ذلك : >من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة<. كما جعل الله المشي إلى المسجد مصحوباً بالثواب، ففي الحديث >أن الرجل إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا حطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث، تقول : اللهم ارحمه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاته ما انتظر الصلاة<. رواه البخاري ومسلم.

كما أن الله يعد له في الجنة نزلاً ففي الحديث : >من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح< رواه مسلم.

كما أن السكينة والرحمة ونزول الملائكة وذكر الله للمؤمنين، كل ذلك مرتبط بالاجتماع في بيوت الله ومدارسة كتابه. فقد روى مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم   : >وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم سكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده<. رواه مسلم.

كما جعل الإسلام من المسجد بيتاً للأمن وسبباً للجواز على الصراط يوم القيامة. فقد روى البزار في إسناد حسن عن أبي الدرداء قوله : لتكن المساجد مجلسك فإني سمعت رسول الله  صلى الله عليه و سلم   يقول : >إن الله عز وجل ضمن لمن كانت المساجد بيته الأمنَ والجواز على الصراط يوم القيامة<. وهذا لا يتنافى مع ضرورة عمارة الأرض وحسن الخلافة فيها.

ولأهمية المسجد جعله الله تعالى أشرف بقاع الأرض وأضافها إليه. ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال : >أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله تعالى أسواقها، كما قال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً }.

كذلك جعل الله تعالى ارتياد المساجد أمارة على الإيمان الكامل الذي يستحق الثواب الجزيل، ففي الحديث : >إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان<. وقد وعد الله المرتبطين بالمساجد المعلقة بها قلوبهم يستظلون بظله يوم القيامة. ففي الحديث : >سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم : ... ورجل قلبه معلق بالمساجد<.

وفي هذا الإطار نهى الإسلام عن إغلاق المساجد لمنع ذكر الله فيها من صلاة واعتكاف وتعلم. يقول تعالى : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم }. وليس المقصود بإغلاقها في غير أوقات الصلاة والعلم خشية العبث بها والإفساد، فهذا مباح.

ولأجل هذه الأهمية أيضاً أمر الإسلام بتنظيف المساجد من الأقذار، ومن كل ما يؤذي المسلمين ورغب في ذلك كثيراً. ففي الحديث : >أن امرأة سوداء كانت تلتقط القـمامة مـن المسـجد ففـقدها النـبي  صلى الله عليه و سلم   فسأل عنها بـعد أيام، فقـيل له : إنها ماتت فقال : فهلا أذنتموني فأتى قبرها فصلى عليها< رواه البخاري ومسلم.

ومن الملامح المهمة للمسجد أنه يربي المسلم على الذوق السليم، ففي الحديث الذي يرويه الإمامان البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، عن النبي  صلى الله عليه و سلم   : >ومن أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا<. والحديث الذي رواه الشيخان عن أنس يقول النبي  صلى الله عليه و سلم   : >البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها الأمر الذي يتضمن ضرورة العناية بالمساجد حفاظاً على قدسيتها، ومراعاة لشعور الآخرين، ولهذه المنزلة للمسجد كان النبي  صلى الله عليه و سلم   أول ما يقدم من سفر يبدأ بالمسجد فيصلي فيه.