تفاسير

قال تعالىٰ:

** إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ** {التوبة 18}

 قال الإمام القرطبي رحمه الله: فيه ثلاث مسائل:

الأُولى ـ قوله تعالىٰ: ** إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ **  دليل على أن الشهادة لعُمّار المساجد بالإيمان صحيحة؛ لأن الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها.

وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسّنوا به الظن.

وروى الترمِذي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 »  إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فٱشهدوا له بالإيمان  « قال الله تعالىٰ: ** إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ **. وفي رواية: «يتعاهد المسجد». قال: حديث حسن غريب.

قال ٱبن العربِيّ: وهذا في ظاهر الصلاح ليس في مقاطع الشهادات؛ فإن الشهادات لها أحوال عند العارفين بها؛ فإن منهم الذكيّ الفَطِن المحصل لما يعلم اعتقاداً وإخباراً، ومنهم المغفّل، وكل واحد ينزل على منزلته ويقدّر على صفته.

 

الثانية ـ قوله تعالىٰ: ** وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ **  إن قيل: ما من مؤمن إلاَّ وقد خشي غيرَ الله، وما زال المؤمنون والأنبياء يخشون الأعداء من غيرهم. قيل له: المعنى ولم يخش إلاَّ الله مما يعبد: فإن المشركين كانوا يعبدون الأوثان ويخشَونها ويرجونها.

جواب ثانٍ ـ أي لم يخف في باب الدِّين إلاَّ الله.

 الثالثة ـ فإن قيل: فقد أثبت الإيمان في الآية لمن عمر المساجد بالصَّلاة فيها، وتنظيفها وإصلاح ما وَهى منها، وآمن بالله. ولم يذكر الإيمان بالرسول فيها ولا إيمان لمن لم يؤمن بالرسول: قيل له: دلّ على الرسول ما ذُكر من إقامة الصَّلاة وغيرها لأنه مما جاء به؛ فإقامة الصَّلاة وإيتاء الزكاة إنما يصح من المؤمن بالرسول، فلهذا لم يُفرده بالذكر. و «عسى» من الله واجبة؛ عن ابن عباس وغيره. وقيل: عسىٰ بمعنى خليق؛ أي فخليق ** أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ **.

تابع