المسجد الأقصى, المسجد النبوي الشريف, المسجد الأموي, المسجد الحرام, مسجد قباء, مسجد قبة الصخرة, مسجد عمرو بن العاص.

المسجد الأموي بدمشق

تمهيد:

تبارى الواصفون والشعراء في ذكر محاسن المسجد الأموي بدمشق الفيحاء.

يقول ابن بدران ـ في منادمة الأطلال ـ عنه: هو أعظم جوامع دمشق، وللناس فيه قصائد وأقوال يضيق عنها الحصر.

ويقول عنه ياقوت ـ في معجم البلدان ـ في مبالغة ظاهرة: لو عاش الإنسان ألف سنة، وجعل يتردد كل يوم من أيامها إلى الجامع، لكان يرى في اليوم ما لا يراه في أمسه.

ويقول أحد الشعراء عن الجامع الأموي:

وانزلْ دمشقَ وسل صخراً بمسجدها              عمن بناه لعل الصخر ينعاه 
                          

البداية الأولى... هموم خليفة:

ولمبدأ بناء هذا المسجد قصة طريفة رواها الأكفاني، فقال:

إن الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي اغتم يوماً، فدخل عليه المغيرة بن الوليد ( ولده ) فقال: ماغمك؟ فلم يخبره فألح عليه فذكر له أن النصارى أبوا عن بذل الكنيسة ( يقصد بذلك الكنيسة التي كانت لهم في دمشق بطرف معبد روماني كبير مهجور) فقال له المغيرة: لا تهتم إن خالد بن الوليد قد دخل ( دمشق ) من الباب الشرقي بالسيف، ودخل أبو عبيدة من باب الجابية بالأمان، فنحن نماسحهم إلى الموضع الذي وصل إليه السيف، فما كان لنا به حق أخذناه، وإلا داريناهم  فأخذنا الكنيسة بالرضا. فقال له والده الخليفة: فرّجت عني، فتولّ هذا الأمر.

قال: فتولاه، فبلغت المساحة إلى سوق الريحان، حتى حاذى القنطرة الكبيرة أربعة أذرع بالذراع الهاشمي فقالوا: قد قطعتنا كنائس، وبذلت لنا من المال كذا وكذا  ( لما كان  وعدهم به من قبل مقابل تنازلهم عن المعبد) فإن رأيت أن تتفضل علينا فعلت، فامتنع منهم أولاً، ثم أعطاهم أربع كنائس.

 

المعبد الروماني... وإشاعات باطلة:

ويرى بعض الباحثين أن مسجد دمشق الأموي أُنشئ في جزء من معبد كان هناك للاله الروماني ( جوبتر ) الذي كان المسيحيون فيما بعد قد أقاموا فيه مصلى أو كنيسة، ونسبوه إلى القديس يوحنا، فلما جاء المسلمون ورأوا سعة هذا المعبد المهجور في معظم أجزائه، رغبوا في الإستفادة من الأحجار والرخام والأرض المبلطة لهذا المبنى القديم، فتراضوا مع النصارى على تعويضهم عن مصلاهم الصغير بتعويض كبير، أنشأوا  به مصلى جديداً في موضع آخر.

وقد حاول بعض المغرضين من غير المسلمين أن يخوف الوليد بن عبد الملك من هدم المعبد ويرهبه، فقال له: إن له شأنا، فمن هدمه جُنّ أو أصابته عاهة، فحنق من قولهم ودعا بمعول فأخذه بيده، وأخذ يهدم الحيطان، فاقتدى به الفعلة، ولم يُصَبْ أحد منهم بسوء.

 

اكتشافات تحت المعبد:

وعند ابتداء العمل في بناء المسجد الأموي في دمشق أمر الوليد بإزالة جميع الأبنية داخل سور المعبد القديم، ثم عمد إلى تلك الأسوار المحيطة فزاد في سمكها، وفيما كان العمال يزيلون الأنقاض اكتشفوا مغارة قديمة.

روى ابن عساكر عن زيد بن واقد قال: وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق، فبينما نحن في العمل إذ وجدنا مغارة، فعرّفنا الوليد ذلك. فلما كان الليل وافى وبين يدية

الشموع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع ( أي حجرة صغيرة) وإذ فيها صندوق، ففتح

فإذا فيه سفط وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام قا ل: فرُدّ إلى مكانه بأمر الوليد وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيراً عن بقية الأعمدة، فجعل عليه عمود مسفَّط الرأس.

 

الوصف العام لبناء الوليد:

          ولما كان الجدار الطولي للمعبد يتجه إلى الجنوب ـ أي نحو مكة المكرمة ـ فقد جعله البناؤون جدار القبلة، وكان طويلاً جداً بالنسبة لعرض بيت الصلاة، ولذلك فإن رواق القبلة في المسجد الأموي ـ وهو أحد أروقة أربعة يتكون منها المسجد ـ يتمز بزيادة الطول فيه على  العرض بنسبة 3 إلى 1 تقريباً، فطوله يبلغ أكثر من 136 متراً، في حين أن عرضه لا يزيد على 37 متراً، وبذلك يتسع بيت الصلاة لأعداد كبيرة جداً ، وبيت الصلاة هذا جعل له المهندسون باباً فخماً يؤدي إلى الصحن المكشوف كأنه باب مسجد كامل، كما أنه يتكون من  ثلاثة بائكات ( البائكة مجموعة عقود مبنية على اتجاه واحد ) موازية لحائط القبلة، يقطعها مجاز قاطع منحرف قليلاً إلى الغرب، الأمر الذي يقسم هذه البائكات إلى جزئين متساويين في كل جزء ثلاث بوائك، وكل بائكة تتكون من 11 عقداً. وتقف هذه العقود على أعمدة رخامية لها كراسي أسفل قواعدها.

 

          وأما الأروقة الثلاثة الأخري في الشرق والشمال والغرب، فكل منها عبارة عن صف من الأعمدة ( بائكة واحده ) تكون بلاطة واحدة لكلٍ وقد استخدمت الأعمدة والدعائم بالتبادل فيها وفوق كل عقد شباكان.

وأما الجدار الفاصل بين بيت الصلاة ( القبلية ) وبين الصحن فإنه

يتكون من سلسلة من العقود، وعددها عدد البلاطات وهي عقود مستديرة، وفوقها (أعلى الجدار) سلسلة من نوافذ ذات عقود مستديرة أيضاً، وكل اثنتين من النوافذ تقومان فوق عقد من العقود. ويبلغ عدد النوافذ في حائط القبلة وحده (44) شباكاً.

وسقف بيت الصلاة ـ المركب مجنبتاه على ثلاثة مجموعة من العقود الحجرية ومجازه الأوسط القاطع على ثلاثة عقود أيضاً ـ مبني على شكل جمالون أو مثلث أو هرم ضلعاه

يستندان إلى مجموعتي العقود، وعدد جمالونات السقف ثلاثة، والسقف من الخشب المصبوب فوقه رصاص، وهو محكم الصنع يقي المسجد ويحميه من أمطار الشام الغزيرة. وترتفع في وسطه قبة يقال قبة النسر.

 

مآذن المسجد الأموي:

وتمت في الجامع الأموي أول محاولة لإقامة المآذن في الشام.

وقد كان في ركني المعبد القديم الذي بني عليه المسجد، في الجانبين الجنوبيين الغربي والشرق، برجان مربعان أعاد الوليد بن عبد الملك بناءهما ورفعهما، ليكون من فوقهما الآذان بل يذكر بعضهم أنه أعاد بناء الأبراج الأربعة في أركان وزوايا المسجد.

إلا أنه لم يبق منهما إلى الآن إلا ما يسمى المئذنة الغربية على البرج الغربي الجنوبي، وقد بناها قايتباي، وهي الأجمل والأرشق.

وثمة أضافة إلى تلك المئذنة الغربية مئذنتان أخريان، أولاهما: مئذنة عيسى، وتقع في الركن الجنوبي الشرقي، وترجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي. والثانية: مئذنة العروس، وتقع في منتصف الحائط الشمالي المواجه لرواق بيت الصلاة.

 

أعمال الزخرفة والفسيفساء:

واعتنى الوليد بزخرفة المسجد الأموي في دمشق عناية فائقة ، فجعل أرضه رخاماً أبيضاً مفروشاً ، ومن هذا الرخام جلدت حوائطه بارتفاع ضعف قامة الإنسان ، وفوق ذلك على الجدار شريط من الترابيع الرخامية ، ثم ترتفع بعد ذلك الفسيفساء حتى السقف ، وهي متعددة الألوان ومذهبة ومملوءة بالزخارف.

والأساطين ( الأعمدة ) رخامية تعلوها تيجان مذهبة.

والسقف كله مكتّب بأجمل أنواع الخطوط ومذهب وملون.

أما المحراب فمن المحاريب الجميلة الباهرة المرصعة بالجواهر.

ويوجد في جدار القبلة شريط من أوله إلى آخره من الفسيفساء يسمى شريط الكرمة ( أي كرمة العنب ) وتشبه زخارفه زخارف قبة الضخرة في بيت المقدس.

ويقال بأن الوليد صرف في بناء المسجد الأموي وزخرفته وإظهاره في أبهي حلله خراج دمشق خمس سنين، وكان خراجها آنذاك أعظم خراج الأقاليم في الدنيا.

لوحة بردى:

ومن أروع ما في المسجد الأموي اللوحة المعروفة بلوحة بردى ( اسم النهر الذي يروي دمشق وما حولها ) وهي لوحة كبيرة موجودة بالركن الجنوبي الغربي من المسجد تمثل منظر نهر بردى وهو يخترق الفوطة الغناء ، ويدخل دمشق فتحف به البساتين من كل جانب ، وتطل عليه القصور وما فيها من أشجار ونباتات وزهور.

ويبلغ طول تلك اللوحة الفريدة من الفسيفساء قرابة 38 متر وارتفاعها 7 أمتار ، وهي أكبر مسطح من الفسيفساء وجد حتى الآن.

ساقية، وأبواب، وساعات:

ولحاجة المصلين في المسجد إلى ماء الوضوء والطهارة فقد جعل للمسجد ساقية ماء تدور على أركانه الأربعة بالسواء.

وللمسجد أربعة أبواب هي : باب البريد ( الغربي) وباب جيرون (الشرقي) وباب (الشمالي) وباب رابع في بيت الصلاة ( جدار القبلة) يؤدي إلى خارجه.

روى ابن عساكر عن محمد بن أحمد القاضي أنه قال: إنما سمي باب الساعات لساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار ، عليها عصافير من نحاس وحية منه وغراب ، فإذا تمت الساعة: خرجت الحية فصفّرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة. وقد صنع تلك

الساعات رضوان بن محمد بن رستم الشهير بابن الساعاتي وقد وضعها عند باب الجامع أيام الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وكان لابن الساعاتي من نور الدين العطايا والهبات الدائمة لملازمة الساعات.

حرائق عديدة:

وقد تعرض المسجد للحريق خمس مرات في تاريخه.

أولها: عام 461هـ ، في النصف من شعبان ، من حرب وقعت هناك ضربت فيها دار مجاورة للجامع فامتدت إليه ألسنة النيران ، فالتهمت وقضت على محاسنه وآثاره ، فأعيد ثانية وجمل وزين.

ثم في عام 740هـ وقع حريق عظيم في دمشق احترقت فيه المنارة الشرقية من الجامع ، وأعيد بناؤها وترميمها .

وفي عام 803 هـ احترقت دمشق كلها أيام فتنة تيمور لنك ، واحترق المسجد الأموي معها ، ثم عمر بعد ذلك .

وفي عام 884هـ ذكر ابن طولون أن المسجد احترق واحترق ما حوله من الأسواق الشامية الشهيرة.

وآخر تلك الحوادث المؤسفة الحريق الذي وقع عام 1311هـ أيام السلطان عبد الحميد الثاني ، الذي أعاد بناءه أيضاً.

والبناء الحالي بشكله وأعمدته وأبوابه يعود إلى عهد هذا السلطان.

على أن جميع الترميمات التي توالت على هذا الجامع حافظت على مخططه المعماري الأول ، وعلى هندسته الأموية دون تعديل.

مدارس وحلقات علمية :

ويذكر أن الجامع الأموي كان طيلة تاريخه مركزاً من مراكز العلم الشهيرة، يقول ابن بدران: وكان في هذا الجامع من المدارس: الغزالية ، والأسدية ، والمنجائية ، والقوصية ،

والسيفية ، والمقصورة الكبرى ، والزواوية والشيخية ، وكان له تسعة أئمة وأربعة وعشرون سَبُعاً ( نقطة يخرج منها الماء على شكل رأس سبع ) وكان فيه احدى عشرة حلقة للتدريس في الفنون ، ولها مقررات من مال المصالح ، وكان به ثلاث حلقات للاشتغال بالحديث.

وعلى سبيل المثال: فوظيفة التدريس تحت قبة النسر رتبها بهرام والد السلطان إبراهيم وبنى السوق الجديد والخان قرب باب الجابية لأجلها ، وعين للمدرس ستين قرشاً ، وللمعيد ثلاثين ، ولقارئ العشر عشرة قروش ، ودرس بهذه الوظيفة الشيخ سعودي ، ثم تاج الدين بن أحمد المحاسني الدمشقي.

وفي الجامع بيت الخطابة، وكان فيه خزانة كتب منها ما وقفه على الدفتري ، وكان عالماً جليلاً استودعت كتبه بيت الخطابة بالقرب من المقصورة بالجامع الأموي.

اهتمام.. واهمال:

وتفاوتت همم الملوك والأفراد في العناية بهذا المسجد العظيم ، حتى كان يهمل أحياناً فيغدو كأنه مباح لكل الناس ، يعملون فيه ما يشؤون ، ولكنه ما يلبث أن تعود إليه نضارته ثانية بهمة الغيورين على الإسلام ومساجده.

يذكر بعض المؤرخين أن المسجد عام 668 هـ تحول إلى ما يشبه الخان ، لكثرة من ينام فيه من الناس ويقيم ، وكان لكل مقيم به موضع أفرده واقتطعه وعمل فيه صندوقاً وأحاطه بمقصورة ، حتى كان فيه ما يقارب من ثلاثمائة خزانة ومقصورة ، فأزال الملك الظاهر ركن الدين جميع ذلك ، ونظف المسجد وفرشه بالحصر والبسط ، وغسل رخامة وحسنه ، وكان بصحن الجامع أيضاً حواصل ( مخازن) للمنجنيقات وحواصل للأمراء وغيرهم من خيم وشبهها ، فأزالها أيضاً ، ورتب أوقافه للمستحقين ، وفتش على كتب الوقف التي كانت له ، فجمعها من المختلسين ورتبها وجلدها وأتقنها.

مشاهير الموقتين:

واشتهر بعض الموقتين في مسجد بني أميه الدمشقي. والموقتون: هم الذين يضبطون أوقات الصلاة بناء على حركة الشمس وساعات النهار.

ومن هؤلاء المشاهير: محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني توفي عام 548 هـ ، وكان من جملة ما أتقنه من العلوم: الهندسة والحساب والنجوم.

ومنهم علي بن إبراهيم المعروف بابن الشاطر ، كان رئيس المؤذنين ، وكان لديه في منزلة آلة أقرب ما تكون إلى الساعة التي نعرفها ، حتى إن ابن بدران يقول عنه: إنه هو المخترع لهذا النوع العظيم الفائدة ، إلا أن أهل بلادنا أهملوه واختراعه ، حتى ظفر بنخب أفكاره الإفرنج وكانت له اختراعات هندسية كثيرة تدل عليها كتبه العديدة.

ومن هؤلاء أيضاً: مؤيد الدين أحمد بن عبد الكريم الحارتي الشهير بالمهندس ، قام بإصلاح الساعات التي في الجامع الأموي ، وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية ( أي راتب) يأخذها.

عروس دمشق المعاصرة:

وتقوم حالياً هيئة الآثار في سوريا بعمل جليل ضخم لترميم المسجد الأموي ، واظهار محاسنه وإحياء مآثره من جديد . فالأموي عروس دمشق ، وفيه مَجْلَى حسنها الأصيل.