المسجد الأقصى, المسجد النبوي الشريف, المسجد الأموي, المسجد الحرام, مسجد قباء, مسجد قبة الصخرة, مسجد عمرو بن العاص.

مسجد قبة الصخرة

تمهيد :

ليس للصخرة المشهودة في بيت المقدس (القدس) ميزة دينية محضة، سوى ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء من بيت المقدس ابتدأ معراجه منها، فهي لهذا بقعة طاهرة مباركة، شأنها في ذلك شأن كثير من الآثار الإسلامية الطيبة التي ذكرت في السيرة النبوية العطرة، كغار حراء وغار ثور، أو ذكرت في سيرة الأنبياء السابقين، كمقام إبراهيم  الذي في جوار الكعبة المشرفة.

وليس معنى أنه لا مزية دينيةً لها أنها لا تستحق الاهتمام والعناية‍. كلا، فلقد كان عهدنا دائماً وأبداً بالأمة الإسلامية الالتفات إلى الآثار الباقية من الرجال الصالحين أو الأيام الصالحة، لتبقى منها العبرة حية والذكرى قائمة..

وأكبر دليل على ذلك ما ذكر، ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من فكر في حماية الصخرة التي ذكر أن معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منها، فأمر بإنشاء ظلة من الخشب فوقها، وأن هذه الظلة بقيت في مكانها حتى جاء عبد الملك بن مروان، فرأى أن يستبدل بها عملاً فنياً معمارياً يتناسب مع ما للصخرة في قلوب المسلمين من  مقام .

 

شبهات باطلة مردودة:    

ويؤكد الدكتور حسين مؤنس أن موضع الصخرة لم يكن من قبل مكاناً لكنيس
يهودي، فإن هذه الصخرة نفسها قمة بارزة في أعلى جبل موريا، وسطح هذا الجبل هو الحرم القدسي الشريف، الذي يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومشاهد اسلامية أخرى..

كما يؤكد أنه ليس هناك ما يثبت أن موضع الصخرة يبين مشهد شروع إبراهيم عليه السلام في التضحية بابنه إسماعيل عليه السلام. وفداء الله إياه بكبش عظيم..

كذلك ـ يتابع قوله ـ ليس بصحيح ما يقال من أن عبد الملك بن مروان أنشأ القبة ليجعلها موضعاً لحج المسلمين عوضاً عن الكعبة المشرفة، وذلك لأنه من غير المعقول أن يقوم خليفة مثل عبد الملك، في علمه ودينه، بتحويل الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام جاء النص فيه صريحاً في القرآن الكريم في كيفيته وأمكنته!!. ثم لمَ يفعلُ ذلك وقد آل أمر مكة المكرمة بعد مقتل عبد الله بن الزبير وبسط سيطرته عليها إليه؟!.

 

دوافع الاهتمام الزائد... ومظاهره:

ولكننا مع ذلك لا ننكر ما أورده المقدسي ـ وهو غير بعيد عن الصحة ـ في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم  قال:

إن عبد الملك عندما رأى قبة القيامة التي يحج إليها النصارى، خشي أن تؤثر ضخامة هذه الكنيسة في قلوب المسلمين، فاعتزم أن يبني قبة مثلها وأحسن منها، ونصب على الصخرة قبة كما ترى ..

والحقيقة الواقعة هي أن عبد الملك أحاط الصخرة ومبناها الجديد الرائع بعدما انتهى منه بهالة وإطار من المظاهر والطقوس عززت مقام الصخرة في قلوب الناس، وأكدت معاني كثيرة تنمو على سطح النفوس العامية الساذجة.

ذكر صاحب كتاب مثير الغرام في فضائل القدس والشام: أن القائمين على بناء قبة الصخرة عندما بنوها كانوا في كل اثنين وخميس يطحنون الزعفران ويمزجونه بالمسك والعنبر والماورد الجوري، ويخمرّون هذا المزيج ليلاً، وفي الغداة يأمرون الخدم فيد خل هؤلاء الحمام، فيغتسلون ويتطهرون، ثم يرتدون الثياب النظيفة، ويأتون إلى مسجد الصخرة حاملين ما تخمر بالأمس، وبعد أن يغسلوا الصخرة يأتون بجامر من الذهب والفضة فيها العود والند الممزوج بالمسك والعنبر فيرفعون الستور حول الأعمدة كلها، ثم يحملون البخور ويدورون حول الصخرة، ثم ينادي المنادي في صف البزازين (أي في السوق): ألا أن الصخرة قد فتحتت للناس، فمن أراد أن يأتي فيها فليأت، وكان يقف على كل باب من أبواب المسجد عشرة من الحجاب، ومتى دخله المصلون شموا رائحة البخور والمسك والعنبر..

بل أكثر من ذلك: كان عبد الملك الخليفة الأكبر يحمل عماله ( ولاته ) إلى الصخرة ليحلفوا عندها، قبل أن يباشروا أعمال ولاياتهم كأنه يريد بذلك أن يضمن ولائهم وأمانتهم.

 

معلم حضاري إسلامي:

ومنذ أن إنشئ مسجد قبة الصخرة كان عملاً فنياً مميزاً فريداً من نوعه، زائداً على أمثاله في الفخامة والبهرجة والاتقان. حتى توالت فيه كلمات المؤرخين.

فمنهم من يقول عنه هذا مبنى مساجدي فريد من بابه في عالم الإسلام.

ومنهم من يقول عنه: إنه دُرة الفن المعماري الأموي وأبدع آثاره، وهي أيضاً احدى درر الفنون الإسلامية.

ويقول عنها آخر: لم أر في الإسلام، ولا سمعت أن في الشرق مثل هذه القبة.

بل قال المستشرق الانجليزي ( هايتر لويس ) في كتابه ( الأماكن المقدسة ) إن مسجد الصخرة بلا شك أجمل الأبنية الموجود فوق هذه البسيطة ، لا بل إنه أجمل الآثار التي خلدها التاريخ.

 

البداية الأولى... مع رجاء ويزيد:

بدأ بناء مسجد الصخرة سنة 66 هـ بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وقد عهد بمباشرة العمل إلى عالمين جليلين، من ذوي الخبرة في هندسة البناء إضافة إلى خبرتهما وعلمهما الديني هما رجاء بن حيوة من بيسان شمالي فلسطين، ويزيد بن سلاّم من أهالي القدس، فقاما أول الأمر بتصميم المبنى... ويؤثر عن بعض الكاتبين أن عبد الملك أعطى تصوراته وتخيلاته للمهندسين المذكورين، فصنعا له نموذجاً بحجم كبير (مجسماً) في مكان يقال له السلسلة، فلما أعجب به عبد الملك نفذ المبنى على نمط ذلك المجسم.

ولأن الخليفة يعلم كم تكلف مطالبه في فخامة المبنى ودقة اشغاله من أموال فقد رصد خراج مصر لمدة سبع سنوات على هذا المشروع.

وهكذا استمر العمل فيه من عام 66هـ إلى عام 72هـ، ويؤكد هذا ما نقش على إحدى قناطر القبة من كتابة تقول ( بنى هذه القبة عبد الله عبد الملك به مروان أمير المؤمنين في سنة اثنين وسبعين تقبل الله منه ورضى عنه. آمين.

 

شكل الصخرة المشرفة:

أما الصخرة التي أقيم المبنى حولها والتي منها بدأ معراج النبي صلىالله عليه وسلم إلى السماء، فهي شكل غير منتظم من الحجر قريب من نصف دائرة، أطوالها 56 قدماً طولاً 42 قدماً عرضاً، ومن أسفلها يوجد كهف مربع تقريباً طول ضلعه 4.5 متر بعمق 1.5 متراً، ويوجد في سقف هذا الكهف ثقب أو فتحة قطرها متر واحد تقريباً.

المبنى يتمحور حول الصخرة:

ونستطيع ابتداء من الصخرة المشرفة هذه، أن نسجل وصفاً للمبنى الذي يتمحور حولها من الداخل.

إذ تقوم دائرة  اسطوانية الشكل من البوائك ( صف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية عددها 16 عموداً وأربعة دعائم، تلتف حول الصخرة، ثم ترتفع في الهواء، لتحمل رقبة من البناء بها 16 شباكاً.

وهذه الرقبة جدار مستدير مرتقع مجصص،  ومزين بنقوش وزخارف بيزنطية الطابع، وزجاج شماساته ملون، والفراغات بين الشبابيك مغطاة بالزخارف، والقبة تقدم فوق ذلك كله..

وإذن فالقبة لا تعتمد على الجدار الخارجي لمسجد الصخرة كما هو معروف في عامة المساجد، بل إن عقود الأعمدة ( البائكة المستديرة ) هي الحاملة للقبة.. وتدور ما بين الأعمدة فوق الأرض ستارة من الخشب الملبس بالنحاس تحول بين الناس والصخرة.

 

المطاف الداخلي... والمطاف الخارجي:

ويوجد بين الأعمدة المحيطة بالصخرة وجدار المسجد مسافة واسعة نسبياً تلتف حول الصخرة بشكل دائري، لتفسح المجال لمن أراد النظر إليها أن يلم بها من جميع أطرافها، ويسمى المطاف الداخلي.

وخلف هذه الفسحة المحيطة بالصخرة مجموعة أخرى من العقود والدعائم، وعددها 24 عقداً، محمولة فوق ثمانية دعائم وستة عشر عموداً، بواقع عمودين بين كل دعامتين تحيط بالبائكة الأولى، لتشكل خلفها بائكة أخرى مثمنة الشكل،، متوسطة في ساحة المسجد دائرة حول الأعمدة المحيطة بالصخرة، لتكون المطاف الخارجي.

 

مسجد مثمن الشكل فريد:

ويحمل هذا المطاف سقفاً جمالونياً يميل قليلاً إلى الخارج. ومن وراء تلك البائكة تأتي جدران مسجد الصخرة، وهي المسماة بالمثمن الخارجي، ويعتبر في ذلك الشكل مسجداً فريداً من نوعه بين المساجد.

وطول كل ضلع من تلك الأضلع الثمانية 20.5 متراً، وارتفاعها 9.5 متراً، وسمكها 1.30 متراً.

ويحمل هذا الجدار الخارجي في أعلاه سقفاً خشبياً مسطحاً تقريباً، يميل إلى الخارج بميل يتماشى مع ميل جمالون المطاف السابق. وتغطي السقف الخشبي طبقة من الرصاص.

وبواسطة الميلان يتم تصريف مياه الأمطار التي تتجمع على السطح، وذلك من خلال 48 ميزاباً ( سته في كل ضلع من الأضلاع الثمانية ) وهذه الميازيب موجودة داخل سور السطح الذي يرتفع قرابة 2.6 متراً .

 

أبواب ومداخل جميلة:

ويوجد في الجدار الخارجي المثمن أربعة أبواب في الاتجاهات الأصلية، وأمام كل باب هناك مدخل مكون من سقفية ذات سقف برميلي في الوسط، وأجناب السقفية مسطحة، وفتحات الأبواب مسافاتها 2.6 متر عرضاً، و4.3 متر أرتفاعاً، ولها عتبات  من الخشب المجلد بالبرونز.

والأبواب كانت من حشوات خشبية مشغولة بأنواع جميلة من الزخرفة. وأسماء تلك الأبواب: باب القبلي، وباب اسرائيل، وباب الصور، وباب النساء وهو إلى الغرب.

وجميع تلك الأبواب مذهبة وكانت قد أمرت بهن أم المقتدر بالله العباسي فصنعن بأمرها.

 

القبة الشهيرة والهلال الضخم:

وأما قبة مسجد الصخرة وهي أكثر الأشياء لفتاً للنظر من الخارج. فهي مصنوعة من الخشب.

وهي قبة مزدوجة أي عبارة عن قبتين متراكبتين: داخلية وخارجية، يتكون كل منهما من 32 ضلعاً من الخشب على شكل القوس أو فص البرتقال، ويربط أضلاع كل قبة منهما قرص من أعلى.

وهناك مسافة بين القبتين تسمح بمرور انسان، ليسهل التنظيف بواسطة باب القبة الداخلية وللقبة من الخارج مجراة لتصريف مياه الأمطار.

وتغطي القبة الخارجية ألواح من الرصاص، ثم ألواح من النحاس الأصفر اللماع، فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة ورأيت شيئاً عجيباً.

وقطر قبر مسجد الصخرة من الداخل 20متراً و 30 سم وارتفاعها 20متراً و50 سم.

والقبة الحالية ليست هي التي بناها عبد الملك بن مروان مؤسس بناء مسجد الصخرة، بل يرجع تاريخها إلى سنة 413هـ، عندما رممها وأعاد تجديد هيكلها الخشبي الخليفة الفاطمي الظاهر. وفوق القبة يرتفع هلال ضخم كان الصلبيون قد استبدلوا بصليب خلال فترة احتلالهم للقدس في العصور الوسطى بعد أن حولوا مسجد الصخرة كله عام 493هـ إلى كنسية، وبنوا على الصخرة مذبحاً باسم هيكل السيد العظيم.

 

جهود الخلفاء على مر العصور:

وقد توالت عناية الخلفاء والأمراء والملوك على مسجد الصخرة منذ بنائه حتى الآن.

ففي السنة السادسة والثمانين للهجرة استخرج الوليد بن عبد الملك ما على القبة من ذهب وسكه نقوداً، أنفقت على ترميم المسجد وقبته. ثم في سنة 216هـ رممه الخليفة المأمون بعد زيارته له.

وفي سنة 301هـ أمرت أم الخليفة المقتدر بصنع الأبواب الجميلة الرائعة.

وفي سنة 413هـ رممه الظاهر لإعزاز دين الله.

وفي سنة 669هـ  وما بعدها توالى على عناية العناية بنقش قبة وزخرفتها ملوك الأيوبين.

وفي عام 789هـ أمر الملك الظاهر برقوق نائبه على القدس بتجديد السدة، وأوقف عليه.

وكذلك أوقف عليه الأمير أرقماز عام 836هـ.

وفي عام 872هـ أمر الملك الأشرف قايتباي المحمودي بصنع الأبواب النحاسية.

وفي سنة 945هـ أمر السلطان العثماني سليمان بعمارة الباب الشمالي. وصنع له 26 نافذة من الذهب، و3 أبواب من النحاس.

وهكذا حصل في أيام السلطان أحمد سنة 1020هـ حيث وضع قنديلين منقوشين رائعين، معلقين بسلاسل الذهب الخالص في القبة. ويستمر الترميم إلى سنة 1958م عندما قامت لجنة كونها الملك حسين ملك الأردن بترميم القبة وتجديد خشبها، واستبدلت بالرصاص القديم ألواحاً من الألمونيوم المذهب والبلاتين، وقامت كذلك بتقوية أساسات المسجد ونزعت الأعمدة التالفة ووضعت مكانها أعمدة جديدة.

 

الزخرفة التي لا مثيل لها داخلياً وخارجياً:

والحديث عن زخرفة مسجد الصخرة يطول ويطول... فلا تكاد ترى فيه سقفاً أو عموداً أو حائطاً أو عقداً أو تاجاً أو شبراً في أي مكان إلا وهو ينطق بالابداع، ويفصح عن المدى العظيم الذي بلغه البناء والفنان المسلم.

وعلى سبيل المثال فالجدران الخارجية كلها ملبسة بالرخام الأبيض اللامع إلىارتفاع النوافذ، ثم تغطى بعد ذلك بترابيع الفسيفساء ذات البريق الزجاجي والقاشاني التركي الذي يرجع إلى سنة 1554م.

أما من الداخل فيصفها الأستاذ عبد الغني محمد عبد الله يقول: كل حوائط المثمن ودعائم وأعمدة المثمن الأوسط والأسطوانة مجلدة بالرخام، ومزخرفة من فوق ذلك بالفسيفساء الملونة والتي تجمع كثيراً من الألوان: البنفسجي، الأسود، الأحمر، الرمادي، الأزرق، الأخضر، الفضي، والذهبي، مكونة أشكالاً مختلفة من الأوراق النباتية والثمار والأشجار والعناقيد وأوراق (الاكنتس) وفروع تلتلوي وتنثني حلزونية، مما دعا البروفيسور (بريش) إلىأن يتساءل مندهشاً بدقتها وجمالها عما إذا ما كان الفنان المسلم قد قصد بها تصوير الجنة...

ومع هذه النقوش هناك ايضاً رسوم ونقوش على شكل آنية الزهور وقرون الحياة ورسوم الأهلة والزهور والحلي مع أشرطة كتابات وزخارف هندسية ذلك كله في تناسق بديع وتجانس في الألوان رائع.

 

تعفف ومروءة:

ولا يسعنا إلا أن نذكر أن الخليفة عبد الملك بن مروان الباني الأول لمسجد الصخرة استبقى من المال المخصص لبناء مسجد الصخرة عشرة آلا ف دينا ر (ويقال مئة ألف دينار ) جائزة لمصممي ومنفذي مسجد الصخرة رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام، إلا أنهما رفضا ذلك، ورداه متعففين عن أخذ شئ بنياه لله، فأمر بسبك الدنانير ذهباً خالصاً وزين بها القبة والأبواب.