مهيئات النبوة, نبذة عن نسب النبي وحياته, بدء الوحي, من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم-

قصة البشرية

 

تبدأ قصة البشرية منذ أن خلق الله أبا البشر آدم - عليه السلام - حيث خلقه الله بيده الكريمة من طين ، ونفخ فيه من روحه ، وعَلَّمَهُ أسماء الأشياء كلها من الطيور ، والدواب ، وغير ذلك ، وأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ؛ زيادة في التكريم والتشريف ؛ فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر ، فأهبطه الله من ملكوت السماوات ، وأخرجه ذليلاً مدحوراً ، وقضى عليه باللعنة ، والشقاء ، والنار.

وبعد ذلك سأل إبليس ربَّه أن يُنظِرَه إلى يوم القيامة ، فقال الله : { إنك من المنظرين } فقال إبليس : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } ، وقال : { فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم  ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين }

فقال الله - عز وجل - { اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين }

فأخرجه الله من الجنة ، وأعطاه القدرة على الوسوسة والإغواء ، وأمهله إلى يوم القيامة ؛ ليزداد إثما ، فتعظم عقوبته ، ويتضاعف عذابه ، وليجعله الله محكا يتميز به الخبيث من الطيب.

ثم بعد ذلك خلق الله من آدم زوجه حواء ؛ ليسكن إليها ، ويأنس بها ، وأمرهما أن يسكنا دار النعيم الجنة التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وأخبرهما - عز وجل - بعداوة إبليس لهما ، ونهاهما عن الأكل من شجرة من أشجار الجنة ؛ ابتلاءاً وامتحاناً ؛  فوسوس لهما الشيطان ، وزين لهما الأكل من تلك الشجرة ، وأقسم لهما أنه لهما من الناصحين ، وقال : (( إن أكلتما من هذا الشجرة كنتما من الخالدين ))

فلم يزل بهما حتى أغواهما ، فأكلا من الشجرة ، وعصيا ربهما ؛ فندما على ما فعلا أشد الندم ، وتابا إلى ربهما ، فتاب عليهما ، واجتباهما ، لكنه أهبطهما من الجنة دار النعيم إلى الدنيا دار النصب والتعب ، وسكن آدم الأرض ، ورزقه الله الذرية التي تكاثرت ، وتشعبت إلى يومنا الحاضر ، ثم توفاه الله ، وأدخله الجنة.

ومنذ أن أهبط الله آدم وزوجته إلى الأرض والعداوة قائمة مستمرة بين بني آدم من جهة ، وبين إبليس وذريته من جهة.

و منذ ذلك الحين وإبليس وذريته في صراع دائم مع بني آدم ؛ لصدهم عن الهدى ، وحرمانهم من الخير ، وتزيين الشر لهم ، وإبعادهم عما يرضي الله ؛ حرصاً على شقائهم في الدنيا ، ودخولهم النار في الآخرة.

ولكن الله - عز وجل - لم يخلق خلقه سدى ، ولم يتركهم هملاً ، بل أرسل إليهم الرسل الذين يبينون لهم عبادة ربهم ، وينيروا لهم دروب الحياة ، ويوصلوهم إلى سعادة الدنيا والآخرة ، فأخبر  - سبحانه - الجن والإنس أنه إذا أتاكم مني كتاب ، أو رسول يهديكم لما يقربكم مني ، ويدنيكم من مرضاتي فاتبعوه ؛ لأن من اتبع هدى الله ، وآمن بكتبه ورسله ، وما جاء في الكتب ، وما أمرت به الرسل فإنه لا يخاف ، ولا يضل ، ولا يشقى ، بل تحصل له السعادة في الدنيا والآخرة.

وهكذا بدأت قصة البشرية ، فعاش آدم ومن بعده ذريته عشرة قرون وهم على طاعة الله، وتوحيده ، ثم حصل الشرك ، وعُبِد غير الله مع الله ؛ فبعث الله أول رسله وهو نوح - عليه السلام - يدعو الناس إلى عبادة الله ، ونبذ الشرك.

ثم تتابع الأنبياء والرسل من بعده على اختلاف بينهم في الأزمنة ، والأمكنة ، وبعض الشرائع ، وتفاصيلها مع الاتفاق في الأصل وهو الدعوة إلى الإسلام ، وعبادة الله وحده ، ونبذ ما يعبد من دونه.

إلى أن جاء إبراهيم - عليه السلام - فدعا قومه إلى ترك عبادة الأصنام وإفراد الله بالعبادة ، ثم كانت النبوة في ذريته من بعده في إسماعيل و إسحاق ثم كانت في ذرية إسحاق.

ومن أعظم الأنبياء من ذرية إسحاق ، يعقوب ، ويوسف ، وموسى ، وداود ، و سليمان ، و عيسى - عليهم السلام -.

ولم يكن بعد عيسى نبي من بني إسرائيل.

وبعد ذلك انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل ؛ فكان أن اصطفى الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتماً للأنبياء ، والمرسلين ، ولتكون رسالته هي الخاتمة ، وكتابه الذي أنزل إليه وهو القرآن هو رسالة الله الأخيرة للبشرية.

ولهذا جاءت رسالته شاملة ، كاملة ، عامة للإنس والجن ، العرب وغير العرب ، صالحة لكل زمان ، ومكان ، وأمة وحال ؛ فلا خير إلا دلت عليه ، ولا شر إلا حذرت منه ، ولا يقبل الله من أحد دينا سوى ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.

بعثة النبي محمد وخلاصة سيرته - صلى الله عليه وسلم -

الحديث عن بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيرته يطول ، ولقد أفرد العلماء في هذا الشأن كتباً كثيرة.

والمجال هنا لا يتسع للإطالة والإسهاب ، وقد مر بنا في الفقرة الماضية أن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الرسالة الخاتمة ، وأن الكتاب الذي أنزل إليه وهو القرآن هو آخر الكتب السماوية.