- الخبير بالتراث الإسلامي السيد وجيه كالو:

الفرق بين المساجد الحديثة والقديمة

      إن التصاميم الهندسية المعمارية للمساجد الحديثة في صيدا، لا ترتكز على أسس العمارة الإسلامية القديمة، والتي كانت تُراعى فيها المساحة الواسعة، والحديقة، وعدم وجود أبنية ملاصقة، والعديد من الأمور التي لا يتم بناؤها حالياً بالشكل الصحيح. ولنأخذ مسجد الكيخيا مثالاً على ذلك: يكمل السيد كالو بقوله: عندما دخلنا لترميمه، كان عمره 325 سنة، وهذا ما رأيناه من خلال التاريخ الذي نقش عليه. رفع المهندس خرائط للجدران الأربعة الموجودة فيه، فوجدها قد بنيت بتقنية دقيقة لا تقبل الشك أو التحسين. وقد صمم المحراب فيه ليرد صدى صوت الشيخ إلى أكبر عدد من المصلين، أما المبلّغ فكان يجلس على السدة ليبلغ المصلين بعد الشيخ. ونجد هنا أن ثلثي مسجد الكيخيا براح، والثلث الآخر حرم، كذلك المسجد الكبير. الحرم معناه المكان الفسيح الذي يصلي فيه الناس صيفاً شتاءً، والبراح هو الساحة حيث باستطاعة المصلين أداء فريضة الصلاة فيها صيفاً إن غصّت بهم في الحرم. نجد أيضاً في مسجد الكيخيا، 3 غرف خصصت للشيوخ الذين يخرجون للدعوى، ومكاناً لتدريس القرآن والشريعة، وهناك المطبخ والمرحاض المخصصين للشيخ. أما مراحيض المسجد فقد بنيت بعيداً عن حرم المسجد، كي لا تسبب أي إزعاج. وفي غالبية المساجد الحديثة، تبنى المراحيض قريبةً جداً وهذا شيء خطأ. أيضاً أماكن الوضوء يجب أن تكون بعيدة حتى تجف الأرجل قبل الوصول إلى السجاد، الذي سوف يتعفن مع قرب مكان الوضوء إليه، عندما يمسح المصلين أرجلهم فيه وهي مبتلة.

   ألمئذنة، يجب أن تكون أعلى من أي شيء حولها، وذلك لإيصال الصوت إلى أكبر مساحة ممكنة. وفي بناء القبة نلاحظ أنها تأخذ أشكالاً عدة، فمنها الأموية والعباسية أو تكون للزخرفة فقط مثل البيزنطية. وقد اعتمدت العمارة الإسلامية القديمة على الحجر الرملي الضخم ليحافظ على برودة المسجد الداخلية في الصيف، ودفئه في فصل الشتاء. قد تلاحظ أن الخشوع والروحانية متمثلة أكثر في المساجد القديمة ويعود ذلك، إلى ضخامة الجدران التي تمنع دخول الضوضاء إلى الداخل، وفي الكيخيا تراه يشبه الكهف في سكونه. إلا أن العمارة الحديثة لا تراعي أياً من هذه الأشياء، لا في سماكة الجدار حيث الضوضاء وأبواق السيارات وأصوات الناس، ولا وجود حديقة حوله، أو أن يكون كامل البناء خاصاً بالمسجد ومستقلاً بالكامل، فنرى المسجد الحديث أمام الحسبة الجديدة، في الطابق الثاني من بناء مليء بالمحال التجارية. فهذا أكبر خطأ ممكن حصوله.

   لقد أشرفت على بناء مساجد عديدة، ولم أكن آخذ في عين الاعتبار أوجه الشبه بين الحديث والقديم، لأسباب كثيرة، أهمها: الأوضاع الاقتصادية، فعندما يأتي أحد الأشخاص قائلاً لدي 500 م مكعب أريد أن أبني فيها مسجداً، وأكون بالتالي متلهفاً لبنائه في منطقة سكنية، فلا أجادل كثيراً في أوجه الشبه هذه، فيكون عمره أقصر ولا يعتمد على النواحي الفنية الدقيقة. فالمساجد القديمة مثلاً تفوق بعمرها الثلاثمائة سنة، ولن تعرّضها الزلازل حتى 7 درجات إلى أي انهيار. أما الحديثة فهي تستمر حتى 100 عام أو ما يزيد قليلاً، وإن سقطت بفعل الزمن أو هزة أرضية لا سمح الله، سوف تبقى وقفاً إسلامياً حتى يتم بناءه مجدداً، مهما طال الزمن، لأنه من غير المسموح استعماله لشيء آخر أبداً.

    ولو أردنا أن نطيل عمر المسجد! علينا أن نتقن العمل وذلك بإشراف مهندسين وفنيين مختصين، ومن أهم الأشياء هي، نوعية وكمية الباطون والحديد المستعملين.

   إذا أخذنا مسجد عبد السلام النعمان مثالاً للمساجد الحديثة، نرى أنه عندما كنا في مرحلة بناء القبة، بدأت المشاكل بين المهندسين وعمال الباطون وعمال الزخرفة، وبدل أن نفك القوالب المصبوبة في ثلاثة أيام ونرشها بالماء دورياً، بقيت عشرون يوماً حتى انتهى الخلاف، عندها أحضرنا مهندساً مختصاً ليكشف على قوة الباطون مع الحديد، فوجد أنه خسر 20 % من قوته.

   أعتقد أنني أشرفت على بناء غالبية المساجد الحديثة في مدينة صيدا، حتى مسجد حمزة الذي ساهم فيه كل من السعودية، وأحمد حجازي، وعلي كيّلو . وأقل شيء قد يهمني في عملية البناء حاضراً، هي الزخرفة، فهي برأيي غير مطلوبة خاصة في الوقت الحالي.

   إذن، يبدو أن أهم ما في المسجد هو بناؤه على أسس قويمة ومتينة، مع احترام كل ركن فيه. فللمئذنة كل الحق في ارتفاعها، وللقبة مظهر من مظاهر الإسلام والإنارة وضرورة ارتفاع البناء، والحرم والساحة باحتين كلّما اتسعتا، ازداد معهما عدد المصلين والآمين المسجد. والمحراب والسدة هما للإمام وللمبلغ، حتى كثافة الجدران لها أبلغ الأثر في عزل الخارج عن الداخل، لتعطي للمصلين بعض اللحظات الهادئة مع خالقهم، وكي لا تشت الأذهان بضجيج العامة، فتقفل النوافذ خلال الصلاة وتفتح طوال فصل الحر حتى تلطف الجو وتُبرز مع الحديقة الخارجية بعداً آخر يمنع رؤية العديد من الأمور التي من الممكن أن تبعد التواصل في أداء الصلاة وقراءة القرآن، إلى ما يجول ويمر في الخارج. إلا أن الحفاظ على جفاف السجاد في المسجد وعدم تعفنه وعدم وجود مبطلات للوضوء خلال الصلاة، يوجب إبعاد مكان الوضوء والمراحيض حتى لا تكون مظهراً لعدم النظافة والطهارة وللنفور أيضاً.