الصلاة

 وإن إقامة الصَّلاة وأداءَها في المسجد تجعل منه مقرّاً لقاعدة أخويَّة متعاونة متآزرة، يُطبَّق من خلالها شعار الأخوَّة الإسلامية الَّذي جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً» (رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ). والصَّلاة تُميِّز المسلم عن غيره، فتكون طريقاً للثقة به والاطمئنان إليه، وهي تبعث روح المحبَّة والمودَّة فيما بين الناس، قال صلى الله عليه وسلم : «من استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم» (أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه ).

والصَّلاة لبُّ العبادة لما فيها من التذلُّل والتضرُّع لجلال الله، ولما تورث من راحة للنفس وسَكينة في القلب، والتحرُّر من كلِّ تبعيَّة إلا لله. أمَّا أوقاتها فهي من زوال الشمس (ميلها عن دائرة نصف النهار) إلى ظلمة الليل، ويشمل ذلك الصلوات الأربع: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. أمَّا صلاة الفجر فلها شأن خاص، وقد خصَّها الله بمزايا عديدة، لأنها الفريضة الَّتي تتجلَّى فيها محبَّة العبد لربِّه وامتثاله لأوامره، حيث يهجر فراشه وراحته لا يثنيه برد الشتاء عن النهوض، والمبادرة للوضوء بالماء مهما بلغت درجة برودته، بل على النقيض من ذلك يمنحه شعوراً بلذَّة الطاعة، ونشوة العبادة لأنه يتَّصل بخالقه، ويطلب منه الرحمة والرضوان، قال تعالى: {أقِمِ الصَّلاة لِدُلُوْكِ الشَّمسِ إلى غَسَقِ اللَّيلِ وقرآنَ الفجْرِ إنَّ قرآنَ الفجرِ كان مَشْهُوداً} (17 الإسراء آية 78) وقد اقترنت صلاة الفجر بقرآن الفجر لأن ملائكة الليل والنهار تجتمع في ذلك الوقت ويشهدونه جميعاً. روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وقرآنَ الفجرِ إنَّ قرآنَ الفجرِ كانَ مشهوداً} أنه قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار». كما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الملائكة يتعاقبون، ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثمَّ يعرج الَّذين باتوا فيكم، فيَسألهم ـ وهو أعلم ـ فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون». وقد يكون المراد أن الإنسان يشهد في الفجر آثار القدرة، ومواطن الحكمة في خلق السموات والأرض، فهنالك الظلام الحالك الَّذي يزيله النور الساطع، وهناك اليقظة من النوم بعد الخمود، والتبدُّل الَّذي يشمل كلَّ ما في الوجود. وقراءة القرآن في الفجر حيث يكون الذهن صافياً، تُمَكِّن الإنسان من استيعاب معانيه فكريّاً، والارتشاف من أنواره روحيّاً، لذلك فقد كانت له مكانة مميَّزة وخاصَّة.