الصلاة |
|
أمَّا صلاة الليل فهي تزرع في قلب المسلم الإرادة الفولاذية، وتسمو بروحه إلى معارج الحبِّ الإلهي، قال تعالى: {إنَّ ناشِئَةَ اللَّيلِ هيَ أشدُّ وَطأً وأَقْوَمُ قِيْلاً} (73 المزمل آية 6). ففي هذه الآية يدعو الله تعالى رسوله ليسبِّحه في صلاة الليل، لما فيها من عظيم الثواب، إذ أن العبادة في الليل أشقُّ على النفس، وأبعد عن الرِّياء، قال تعالى: {ومِنَ اللَّيـلِ فتهجَّدْ بـه نافِلـةً لك عسـى أن يبعثَـكَ ربُّـك مقاماً محموداً} (17 الإسراء آية 79) وفي الحديث الشريف: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوَّله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل» (رواه مسلم والترمذي عن جابر رضي الله عنه ). ولعل أجمل ساعات الوصال بالله، هي ساعات الثلث الأخير من الليل، حيث تحلو المناجاة، وتنسكب العبرات حباً وشوقاً للواحد الغفَّار. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام، ثلاث عقد، يضرب على كلِّ عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلَّت عقدة، فإن توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلَّت عقدة، فأصبح نشيطاً طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (متفق عليه). وإن ليل القائم يتنوَّر بنور عبادته مثل وجهه، فقد سئل الحسن البصري: [ما لنا نرى وجوه قوم منوَّرة؟ فقال: خَـلَوْا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره]. وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُمِرَ من قِبَل الله تعالى بالصَّلاة والتهجُّد وتلاوة القرآن، ليُبعث المقام المحمود، وهو المصطفى المختار الَّذي كان يُمْضِي الليل واقفاً بين يدي الله تعالى، يناجيه ويدعوه ويتصل به، ويصلِّي له حتَّى تتورَّم قدماه، فإذا كانت حالة الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا، وهو الَّذي غَفَرَ الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فكيف بنا نحن المذنبين؟ أليس حَريٌ بنا أن نسلك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونتبارى في تحصيل المزيد من الصلوات والنوافل والأذكار الَّتي تُزَكِّي لنا الفؤاد، وتُحْيِي منا الأرواح، وتزرع فينا الأمل بمرضاة الله وعفوه، فننال المنزلة الَّتي أعدَّها الله للمقرَّبين من عباده، ونحظى بالنعيم الَّذي أعدَّه لهم. فما أحوج المؤمنين لأن يسلكوا إلى الله مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيخلصوا العبادة والطاعة والتوجُّه إلى الله، ويدركوا أن العناء والتعب النفسي الَّذي يلاقونه في شؤون حياتهم، يزول ويتلاشى كلَّما سبَّحوا بحمد ربِّهم، واستمدُّوا من حضرته المدد والغوث، وفي هذا ما يجدِّد نشاطهم ويقوِّي هممهم لمتابعة العمل. |