×

القصة الكاملة لمأساة الباخرة «داني إف2 وبحارتها الفقراء

التصنيف: صور جوية

2009-12-22  12:03 ص  2127

 

غسان ريفي


لا يتجرأ أي كان على القول إن لا أمل بالعثور على مزيد من الأحياء الناجين من بين 83 بحاراً كانوا على متن باخرة الشحن البنامية «داني إف 2» المحملة بالماشية بعد أربعة أيام على غرقها مساء الخميس الفائت قبالة شاطئ طرابلس على بعد حوالى 11 ميلاً، أي داخل ميل واحد من بدء المياه الإقليمية اللبنانية. وتعود الباخرة التي أبحرت من ميناء مدينة مونتفيديو في الأوروغواي، إلى شركة «فالكون بونت أنترناشونال»، ووكيلها في لبنان راسم مكحل.
وفي الحصيلة النهائية، رسا عدد الناجين من كارثة الغرق على أربعين بحاراً تم إجلاء 39 منهم الى طرابلس وعكار حيث نقلوا الى المستشفيات وأجريت لهم الاسعافات اللازمة، فيما قذفت الأمواج بحاراً فليبينياً إلى مرفأ طرطوس حيث أنقذته إحدى البواخر المتجهة الى هناك. وتم العثور على 16 جثة تم التعرف على اثنين هما قبطان الباخرة البريطاني جون ميلو وأحد العمال من التابعية الفليبينية، في حين من المفترض ان يتعرف البحارة الناجون على الجثث التسعة الموزعة على برادات المستشفى الحكومي والمستشفى الإسلامي ورحال، ليبقى 27 بحاراً في عداد المفقودين ومن بينهم البحار السوري سامر صالح الذي بذلت فرق الانقاذ العسكرية والمدنية جهوداً كبيرة لانتشاله من البحر من دون جدوى.
وأشارت المعلومات إلى العثور على ستة جثث لبحارة في اللاذقية وطرطرس وبانياس وجبلة في سوريا بعد ان قذفتهم التيارات البحرية الى هناك.
عمليات الانقاذ
ما تزال القوات البحرية اللبنانية بالتعاون مع قوات اليونيفيل تعمل على تمشيط المنطقة التي غرقت فيها الباخرة «داني إف 2» بحثاً عن ناجين او عن جثث يمكن انتشالها، وهي من المفترض أن تتابع أعمال البحث اليوم الاثنين بعد انحسار العاصفة ما سيمكنها من التفتيش أكثر فأكثر عن سائر بحارة الباخرة المفقودين. وكانت ثلاث فرقاطات المانيتان وإيطالية إضافة الى طائرتين أقلعتا من قبرص، قد بذلت جهوداً مضنية خلال عمليات الانقاذ التي تمّت في ظروف مناخية صعبة للغاية تمثلت بسرعة الرياح (70 كلم في الساعة) وارتفاع الأمواج الذي فاق علوها التسعة امتار، إضافة الى جهود جبارة بذلتها الخافرة العسكرية «صرفند» التابعة للجيش اللبناني التي سارعت الى تلبية نداء الاستغاثة الأول الذي أطلقته الباخرة «داني اف 2»، ونجحت في الوصول الى الموقع رغم الخطر الشديد وانتشلت أربعة بحارة على قيد الحياة، وشكلت دليلاً لبواخر اليونيفل التي عملت على انتشال البحارة بواسطة الأضواء الكاشفة العائدة للطائرتين واللتين ساهمتا في نقل تسعة بحارة كانوا في حالة الخطر الشديد الى مطار رينيه معوض في القليعات، فضلاً عن تسجيل مشاركة للباخرة السورية «محمود» والباخرة التركية «علي بيه».
أما مرفأ طرابلس فتحوّل الى خلية نحل، حيث أقيمت غرفة عمليات ما تزال تعمل حتى الآن بقيادة قائد القوات البحرية العميد نزيه بارودي بالتعاون مع مدير المرفأ أحمد تامر الذي سارع وبحسب توجيهات مدير عام النقل المهندس عبد الحفيظ القيسي الى وضع كل الإمكانيات المتوفرة بتصرف فرق الإنقاذ.
وحرص المدير أحمد تامر على وضع السفارات المعنية بكل التفاصيل المتعلقة برعاياها الموجودين على متن الباخرة، واستقبل وفوداً من سفارات الفليبين، بريطانيا، الاوروغواي وباكستان الذين أثنوا على التعاطي الإيجابي لإدارة المرفأ، وعلى التحرك السريع لفرق الانقاذ رغم الظروف المناخية الصعبة.
كيف غرقت الباخرة داني إف 2؟
تقول المعلومات التي حصلت عليها «السفير» من مصادر مرفئية ومن عدد من الناجين الذين استقبلتهم مستشفيات طرابلس، أن الباخرة البنامية كانت بحالة جيدة وهي تخضع لشروط قوانين السلامة البحرية، وهي تقوم منذ سنوات عدة بهذه الرحلات في نقل مثل هذه الحمولة الكبيرة من المواشي من البرازيل والاوروغواي الى البلدان العربية وفي طليعتها لبنان وسوريا، وأن الباخرة لم تتعرض لأي عطل ولم تتوقف محركاتها لدى دخولها الى المياه الاقليمية اللبنانية.
وتضيف المعلومات ان الباخرة التي أقلعت من ميناء مدينة مونتيفيديو في الاوروغواي كانت تتجه الى مرفأ طرطوس، وقد وصلت إليه بأمان دون أية عوائق بالرغم من العاصفة التي تضرب المنطقة، لكن إدارة مرفأ طرطوس لم تسمح لها بالدخول لعدم وجود مكان للباخرة وهي بطول 200 متر وارتفاع 18 متراً وفيها 8 طبقات، وطلبت إدارة المرفأ من القبطان البريطاني جون ميلو الانتظار لحين خروج عدد من البواخر المغادرة، لكن القبطان ميلو اتخذ قراراً بالإبحار باتجاه مرفأ بيروت، حيث يمكنه أن يرسو هناك وتفريغ نصف حمولته على ان يعود في ما بعد إلى مرفأ طرطوس لتفريغ باقي الحمولة.
ولدى إبحاره من المياه الاقليمية السورية كانت العاصفة تشتد والامواج ترتفع أكثر فاكثر، وقد وجد قبطان الباخرة نفسه يسير عكس التيار البحري ويواجه الامواج العاتية، وصولاً الى دخول المياه اللبنانية، حيث جنحت الباخرة وإهتزت بشكل كبير ما أثار ذعراً لدى البحارة، فحاول القبطان إعادتها الى المسار الصحيح، وتغيير وجهتها وإدارتها لتسير مع التيار البحري، وخلال عملية الاستدارة بدأت الامواج التي فاق ارتفاعها العشرة أمتار تضرب جنبها محدثة المزيد من الاهتزاز، وقد وصلت حالة الذعر الى الماشية التي تجمعت في حظائرها الى جانب بعضها البعض في الجهة المقابلة، ما جعل حمولة الباخرة كلها في جانب واحد، وعبثاً حاول عدد من العمال التخفيف منها وإعادة الماشية الى مكانها الطبيعي، ساعتها أيقن القبطان ميلو أن الباخرة ستنقلب، فأطلق نداءات استغاثة الى كل من مرفأ طرابلس ومرفأ طرطوس، وطلب من البحارة والعمال ارتداء سترات النجاة ورمي انفسهم في البحر لأن الباخرة ستنقلب وستغرق، وقد ساد على متن الباخرة حالة من الهرج والمرج مصحوبة بذعر شديد، خصوصاً عندما بدأ البحارة بتنفيذ أوامر قبطانهم الذي كان يقوم بمحاولات يائسة للانقاذ، ومع توالي ضربات الامواج على الباخرة التي ظهر جزء من قعرها نتيجة الحمولة التي تجمعت في مكان واحد، انقلبت دون أن يتمكن عدد من عمالها من الحصول على سترات النجاة، ودون ان ينجح قبطانها في الخروج منها، حيث فارق الحياة على الفور.
ويؤكد الروسي فيتالي بريدنيكين مساعد القبطان الأول أنه وبفعل الأحمال الثقيلة التي كان من المفترض أن يفرغ نصفها في مرفأ طرطوس، ونظراً لعدم السماح لنا بالدخول لعدم وجود مكان على الرصيف، اضطررنا للعودة الى البحر وبفعل العاصفة والأنواء وعدم توازن الأحمال بدأت السفينة وبسرعة كبيرة بالغرق، حيث حاول كل من كان على متنها القفز الى المياه مع العلم أن غالبيتهم لم تكن لديه سترات للنجاة.
وقال: لقد بقيت في المياه الباردة لأكثر من ست ساعات، وبعد جهد تقدم منا زورق إيطالي وقام بإنقاذي.
ويقول عدد من الناجين إن الباخرة غابت عن سطح المياه في غضون اربع دقائق فقط، ليبدأ معها مسلسل المعاناة في ليل مظلم وبرد قارس ورياح شديدة وأمواج عاتية، وصراخ وبكاء وغياب عن الوعي، فيما كان الموت يحيط بالبحارة من كل حدب وصوب

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا