العصور التي مرت على صيدا |
|
2- وضع صيدا الإداري والاقتصادي. وضع صيدا الإداري والاقتصادي أصبحت صيدا منذ أن دخلتها جيوش المماليك ولاية جليلة يتولاها أمير طبلخاناه أحياناً، وأمير عشرة أحياناً أخرى، وكان بقلعتها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين (القلقشندي، صبح الأعشى ج4 ص202 Gaudefroy – Demombynes, La Syrie a l’epoque des Mamelouks, Paris, 1923, p. 183 ). وكانت ولاية صيدا من أعمال نيابة دمشق، شأنها في ذلك شأن بيروت، وكانت ولاية صيدا نفسها تضم أعمالاً واسعة (شيخ الربوة الدمشقي، نخبة الدهر، ص201)، وقد أشار غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري إلى أهمية صيدا في عصره (عصر المماليك الشراكسة)، فذكر أن مدينة صيدا ميناء دمشق "وهي مدينة لطيفة على شاطئ البحر المحيط، ترد إليها المراكب، ولها إقليم به ما ينوف عن مائتي قرية، وهي أيضاً من معاملة دمشق" (غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري، كتاب زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، تحقيق بول رافيس، باريس 1894 ص47). وكان والي صيدا يتولى منصبه بموجب توقيع بولايته يصدر من نائب السلطنة بدمشق، وقد أورد القلقشندي نص نسخة منه تضمنت أسباب اختياره لذلك المنصب والأعباء والمهام الملقاة على عاتقه، كالتمسك بالعدالة والحرص الزائد في تلقف الأخبار، وتفقد أحوال إقليم صيدا بره وبحره، واعتماد مصالح السكان، وإدارة الشؤون المالية والديوان، والجمع في المعاملة بين سياسة اللين والشدة. وفيما يلي نص هذه النسخة: "رسم بالأمر العالي – أنفذه الله في الأقطار، ونجم بولاته أيام الأوطان والأمطار، وأجرى بشكره سفن الركائب وركائب السفن إذا سف وإذا طار، أن يستقر فلان… ركوناً إلى عزمه وحزمه، وسكوناً إلى اهتمامه الذي حكم فيه، والاختبار بعلمه، وعلماً أن للولايات به الانتفاع، ولحصونها الامتناع والارتفاع، وأنه إذا ولي رعى، وإذا أقوي كان أعصم راع، وإذا فكر في الرأي ووقب في المهم كان نعم الشجاع. فليباشر ولاية عمله، ناهضاً بأعبائه، رافعاً بالعدل لأرجائه ورجائه، حريصاً على طيب الأخبار المنتشرة من كافور صبحه ومسك مسائه، وليتفقد أحوال بره وبحره، ويتيقظ لذلك البر وجهره، وذلك البحر وسره حتى يتحدث البحر عن عزمه ولا حرج، ويسير ذكره كنسيم الروض لا ضائع الصنع ولكن صنائع الأرج، ويعتمد مصالح النواحي وسكانها، والأموال وديوانها، والجهات وضمانها، ونجوم التقسيطات في البلدة، وتحرير ميزانها، ويجمع بين اللين والشدة لسياسة لا يخرج بها الرأي عن إبانها، وتقوى الله تعالى هي العمدة فعليها يعتمد، وعلى ركنها يستند، حتى تجعل له على المصالح أيداً، وحتى تثني نحو الثناء عليه عمراً وزيداً، وحتى تجعل له بأساً في الأعداء يكيد كيداً، وحسن ذكر في البلد يصيد صيداً" (القلقشندي، صبح الأعشى، ج12 ص333 – 334 ). ولم يصلنا من أسماء ولاة صيدا في العصر المملوكي إلا عدد قليل جاء ذكرهم عرضاً في صفحات المصادر، على أن ولاة صيدا كان معظمهم من أمراء الغرب من بني بحتر، وكانوا يجمعون عادة بين ولاية بيروت وصيدا، وفيما يلي بعض أسماء هؤلاء الولاة: 1- الدمياطي: وقد تولى بيروت وصيدا بعد فتح صيدا على يد الأشرف خليل في سنة 690 ه، ويبدو من اسمه أنه ينتسب إلى مدينة دمياط التي كانت على اتصال وثيق بصيدا في العصر الإسلامي، وقد عهد إليه الأمير علم الدين سنجر الشجاعي بعمارة الجسر الخراب القائم على نهر الدامور أثناء مروره ببيروت. ولكن هذا الجسر سرعان ما تخرب بعد عمارته بثلاث سنوات على أثر سيل جارف، وظل خرباً إلى أن قام الأمير سيف الدين تنكز بعمارته، فعمر، ثم تخرب من جديد بسبب السيول التي جرفت مياهها معظم حجارته إلى البحر، كما انهار جانبه القبلي. وعمد والي صيدا ناصر الدين الحسين في سنة 745 ه إلى الاستعانة في ترميم وإعادة بنائه بمهندس طرابلس المشهور في الأعمال الساحلية أبي بكر بن البصيص البعلبكي (صالح بن يحيى، ص103، 104). 2- سيف الدين تنكز: وقد سبق أن رأيناه يتولى ترميم جسر نهر الدامور فيما يقرب من سنة 694 ه / 1294 م. 3- الأمير ناصر الدين الحسين بن سعد الدين خضر: كان والياً على الغرب بما فيه صيدا، وقد اشترك ناصر الدين في الحملة التي توجهت إلى الكرك في سنة 743 ه / 1342 م لمحاصرة السلطان الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون (نفس المصدر، ص100). 4- الأمير بهاء الدين داود بن علم الدين سليمان ت803: اشترك مع تنكز بغا نائب بعلبك وكاشف على صيدا وبيروت في الحملة التي جردها السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق لمحاربة تيمورلنك عندما غزا بلاد الشام في سنة 803 ه / 1400م، وقد فقد الأمير بهاء الدين داود في جملة المفقودين عندما فرت جيوش السلطان قبل لقاء جيوش تيمورلنك (نفس المصدر، ص219). 5- الأمير عساف الحبشي: كان نائباً على بيروت وصيدا في زمن السلطان محمد بن قايتباي وقد قتل في 15 ذي الحجة سنة 901 ه ( ابن طولون، مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، تحقيق الدكتور محمد مصطفى، القاهرة، 1962، ج1 ص167، 367 – الدبس، ج6 ص56) في نفس العام الذي ارتقى فيه السلطان الناصر محمد أبو السعادات ابن قايتباي على دست السلطنة، وكان الأمير عساف المذكور من مشاهير الولاة. 6- ناصر الدين محمد بن الحنش: كان والياً على صيدا والبقاعين في زمن السلطان قانصوه الغوري منذ سنة 917 ه / 1511 م حتى سنة 922 ه / 1516 م، وتسجل هذه السنة خروجه على السلطان العثماني سليم الأول ونيذه لطاعته، فاستولى جان بردي الغزالي نائب الشام على صيدا، وفر ابن الحنش. وتمكن جان بردي من القبض على العصاة أتباع ابن الحنش وعلى رأسهم الأمير زين الدين وأمير قرقماس والأمير علم الدين سليمان ثم أرسلهم إلى صور، فقلعة صفد فقلعة دمشق ومنها إلى قلعة حلب. ولما قتل ابن الحنش بعد ذلك أطلقهم الغزالي (الشدياق، ج1 ص293، ج2 ص303). 7- محمد ابن قرقماس: تولى على بيروت وصيدا والتقدمة على البقاع من قبل السلطان سليم (ابن طولون، قسم 2، القاهرة 1964، ص7). *** وكانت صيدا من الناحية الإدارية أيضاً، رغم كونها مجرد ولاية، من أهم مراكز نقل الثلج من دمشق إلى دمياط بحراً في العصر المملوكي، وكان الثلج ينقل بعد وصوله إلى دمياط "من مراكب بحر الملح إلى مراكب بحر النيل، ثم يأتي به إلى بولاق، ثم ينقل على البغال إلى الشرابخاناه الشريفة، وتخزن في صهريج" (ابن شاهين الظاهري، زبدة كشف الممالك، ص117)، وظلت صيدا مركزاً رئيسياً لشحن الثلوج إلى مصر حتى أيام السلطان الملك الظاهر برقوق، وفي عهده استخدم الطريق البري بدلاً من البحري، وأصبح الثلج يحمل من دمشق براً على الهجن في الفترة ما بين حزيران إلى آخر تشرين الثاني ما يقرب من إحدى وسبعين نقلة، وكان يجهز مع كل نقلة بريدي بيده تذكرة وبرفقته ثلاّج خبير بحمله ومداراته (ابن شاهين، ص118). كذلك كانت صيدا مركزاً هاماً من مراكز بطائق الأبراج الخاصة بالحمام في العصر المملوكي، وكان الخلفاء الفاطميون أول من اعتنوا من حكام مصر بالحمام الزاجل، وبالغوا في ذلك حتى أفردوا له ديواناً وجرائد بأنساب الحمام، ثم نهج نور الدين زنكي نهجهم في سنة 565 ه / 1169 م، وكانت بصيدا عدة أبراج ومراكز حمام لها برّاجة وخدام متخصصون، وأقفاص وبغال للتدريج، ومرتبات وأرزاق، لتصدير الأخبار متصلة ساعة بساعة، مع دمشق من جهة وبيروت وتربلة وطرابلس من جهة ثانية (نفس المصدر، ص117). ولما كانت صيدا مركزاً لبطائق الأبراج الخاصة بالحمام، كانت أيضاً مركزاً بريدياً هاماً، فكانت تمتد من دمشق عدة طرق بريدية تصل إلى صفد وجزين وصيدا وبعلبك. أما طريق صيدا فكان ينتهي إلى بيروت، في حين كان طريق بعلبك يمر بالزبداني وبورا وينتهي ببعلبك (نفسه، ص119، 120 Ira Marvin, Muslim, p. 12 – Gaudefroy – Demombynes, op. Cit. P. 246) ، وفي كل من هذه المواضع كانت تقام محطات لا تعدو أن تكون خانات ونزل للبريديين. ومن أمثلة الخانات الباقية خان دنون الواقع بين دمشق ودرعة، ويتوسط الخان صحن فسيح تدور به بائكة تنفتح على الصحن، وتطل عليها أروقة ذات قبوات متصلة، ويكتنف جدران الخان في الأركان أبراج نصف أسطوانية بينما يتوسط الجانب الغربي برج نصف دائري. ويرجع إنشاء هذا الخان إلى السلطان الملك الأشرف شعبان الذي أقامه في سنة 778 ه، وباشر البناء فيه علي بن البدري "مهندس الشام" (J. Sauvaget, un relais du Barid Mamelouk, dans Melanges Gaudefroy- Demombynes, 1935, Le Caire, p. 24 – 25) . اضمحلت صيدا في عصر المماليك اضمحلالاً يشهد به الرحالة والجغرافيون الذين كتبوا عنها في هذا العصر، وترجع أسباب هذا الاضمحلال إلى ما يأتي: 1- الضربات الشديدة التي تعرض لها العمران الصيداوي منذ أن استردها صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 583 ه حتى بداية العصر المملوكي، ومن المعروف أن هذه الضربات كان يوجهها إليها إما المسلمون في الفترة التي خضعت فيها صيدا للصليبيين، أو الصليبيون في الفترة التي خضعت فيها صيدا للمسلمين، وفي حالة واحدة تعرضت المدينة لغارة تأديبية انتقامية شنها المغول بقيادة كيتبغا نويان، وقد أدت هذه الضربات المتتالية إلى تدمير الأسوار وانحسار العمران وتقلصه بسبب نزوح كثير من سكان المدينة عنها إلى مدن ساحلية أكثر حصانة ومنعة مثل صور وعكا، أو إلى مدن داخلية أكثر أمناً مثل دمشق وبعلبك. 2- غارات الجنوية والقبارصة على ساحل صيدا منذ طليعة القرن الثامن الهجري، وسنتحدث عن هذه الغارات بالتفصيل عندما نتعرض لدراسة الأحداث الهامة في صيدا في العصر المملوكي. 3- الفناء الكبير الذي نكب به العالم فيما بين عامي 742 ، 751 ه / 1341،1350 م ، وبلغ ذروته في الأقطار الإسلامية في سنة 749 ه / 1348 م ،وقد كانت صيدا وسائر مدن الساحل بوجه خاص من أكثر المدن الشامية تعرضاً لهذا الوباء، ويشير ابن الوردي إلى ذلك بقوله: "ثم طوى (الوباء) المراحل، ونوي أن يحلق الساحل، فصاد صيدا وبغت بيروت كيدا" (ابن الوردي، تتمة المختصر، ج2 ص498). 4- عدم صلاحية مينائها الشمالي لإرساء السفن الكبيرة بسبب كثرة الرواسب الرملية، وعدم اهتمام الولاة بتطهير هذا الميناء وتوسعته، وقصر استخدامه على سفن الصيد والمراكب التجارية الصغيرة (Rey, les Colonies franques de Syrie, p. 520) الأمر الذي أدى إلى حصر النشاط التجاري الخارجي في صيدا إلى أضيق نطاق، واقتصاره على المجال الداخلي. وهكذا تضامنت هذه العوامل جميعاً فيما بينها على اضمحلال صيدا عمرانياً وبالتالي اقتصادياً، وكان وصف الإدريسي لها في سنة 548 ه / 1154 م آخر وصف لها يعبر عن عظمتها، إذ أن ما وصفها به الرحالة والجغرافيون في الفترات اللاحقة كان يعبر عن طبيعة هذا الاضمحلال الذي شملها كما شمل غيرها من مدن الساحل، في الوقت الذي ظهرت فيه بيروت بصفة خاصة كميناء رئيسي لبلاد الشام (منير الخوري، ص185): فأبو الفداء الذي وصف صيدا في سنة 721 ه / 1321 م يقول: "تقع على البحر وهي مدينة صغيرة حصينة" (Marmardji, p. 126) ، ووصفها ابن بطوطة بعد ذلك بعدة سنين بقوله: " وهي على ساحل البحر حسنة كثيرة الفواكه، يحمل منها التين والزبيب والزيت إلى مصر"(ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، طبعة صادر، ص62). وذكر الرحالة لودولف السدهيمي الذي زارها فيما يقرب من هذه الفترة، بأنها "مدينة ساحلية تحيط بها أبراج وأسوار مرتفعة ولكنها مهجورة" (Frederick, p. 103) . وذكر القلقشندي أنها مدينة تقع على ساحل بحر الروم ومزودة بقلعة منيعة لا ترام (القلقشندي، ج4 ص111). أما جون بولونر الذي زار الأراضي المقدسة في عام 1421 – 1422، فقد أشار إلى أنها "مدينة فينيقية تشهد خرائبها في الوقت الحاضر بعظمتها، وخارج أطلالها بنيت مدينة أخرى صغيرة حقاً ولكنها حصينة، وينقصها الرجال للدفاع عنها" (Frederick, p. 103) . وعندما زار طافور مدن الساحل اللبناني لم يذكر اسم صيدا وإنما ذكر الرملة ويافا وبيروت وصور وعسقلان وعكا(طافور، رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي، ترجمة الدكتور حسن حبشي، القاهرة 1968 ص53). ونستنتج مما سبق ذكره أن صيدا لم تبق طويلاً بدون أسوار منذ أن افتتحها المسلمون في سنة 690 ه وخرب الأمير علم الدين سنجر الشجاعي أسوارها وتحصيناتها، فقد أعيد بناؤها من جديد وجددت تحصيناتها، وأضيف إليها في زمن لاحق، وهو أمر أشار إليه أبو الفداء وابن بطوطة ولودولف والقلقشندي وجون بولونر ضمناً في وصفهم للمدينة، وسنتحدث عن آثار التحصينات الإسلامية عند تعرضنا فيما بعد لدراسة مظاهر اهتمام المماليك بتحصين صيدا. وظلت صيدا على الرغم من تجديد بناء حصونها وأسوارها مدينة قليلة الأهمية، وعندما زارها سنديس في سنة 1610 / 1611 م كانت تبدو مدينة فقيرة (Frederick, p. 104) ، ولم تنتعش صيدا وتتألق من جديد إلا منذ أن اتخذها الأمير فخر الدين المعني الثاني قاعدة لإمارته على النحو الذي سنشير إليه بعد ذلك. كانت صيدا في العصر الفاطمي مدينة زاهرة عمرانياً واقتصادياً، وكان أهلها من اليسار والثراء بحيث كان في إمكانهم شراء حرياتهم واستقلالهم بالأموال التي يبذلونها سواء لطغتكين أو لبلدوين، وليس من شك في أن هذه الثروات الطائلة التي كانت تتدفق على مدينة ذات ميناء أو بمعنى أصح ذات موانئ ثلاث لا بد أن يكون مصدرها قيام نشاط تجاري واسع النطاق. غير أن حياة صيدا الاقتصادية لم تلبث أن مرت بتجربة قاسية إذ تأثرت بالنكسة العمرانية التي أصابتها منذ أن أخذت قوات المسلمين والصليبيين تتناوب حكمها أكثر من ثلاث مرات، وفي كل مرة كانت أسوار المدينة ومنشآتها تتعرض للتدمير والتخريب الأمر الذي أثر على الوضع الاقتصادي في المدينة، فساعد على تدهور التجارة والزراعة والصناعة منذ العهد الصليبي حتى الفتح العثماني. ومع ذلك فإن اضمحلال عمران صيدا لم يتضح تماماً في زمن ابن بطوطة الذي يذكر أنها كانت تصدر التين والعنب وزيت الزيتون. ونستنتج مما كتبه جاك دي فتري في القرن الثالث عشر الميلادي أنه كانت تتوافر في صيدا أشجار الفاكهة والكروم وغابات وحقول وأرض محروثة. ويحدثنا بولونر عن زراعة قصب السكر والكروم الجيد Frederick, p. 123)) . ولا شك أن الفاكهة ولاسيما الحمضيات كانت وما تزال تشكل الثروة الزراعية الرئيسية في صيدا المملوكية، وكانت هذه الفواكه تصدر عادة إلى مصر. وبالإضافة إلى هذه المنتجات الزراعية المحلية لعبت صيدا دور الوسيط التجاري-ولكن في نطاق محدود-بين الشام ومصر، فكانت تقوم بتصدير منتجات المناطق السورية الداخلية، فمن دمشق نفسها كانت ترد إلى صيدا الأواني الخزفية والتحف الزجاجية والمعادن والحلل الموشية والمنسوجات الحريرية الفاخرة والشموع وبعض الدواب كالغنم والخيول (Ira Marvin, pp. 17-18) . أما الصناعات فقد تدهورت نتيجة لتدهور التجارة، واقتصرت الصناعات فيها على صناعة السكر (نقولا زيادة، مدن عربية، بيروت 1965 ص176)، كذلك استمرت صيدا في إنتاج الزجاج والخزف وهما صناعتان تقليديتان اشتهرت بهما عبر التاريخ. على أن أهم صناعات صيدا التي اشتهرت بها في العصر الوسيط هي صناعة المنسوجات الحريرية، ولكن جارتها صور فاقتها في هذا المجال، وعرفت أوروبا المنسوجات الحريرية المصبوغة بالأرجوان الصوري التي كانت تصدرها صور في العهد الصليبي إلى الآفاق، وكانت سفن الجنوية والبنادقة التي تحمل حجاج المسيحية من أوروبا إلى الأراضي المقدسة تعود موسقة بالمنسوجات الحريرية والتفتا الدقيقة التي كان الغرب يشتد في طلبها من صور وصيدا، وطغى استعمالها إلى دور البورجوازية والمصليات الكنسية، وكانت الملونات الحريرية تغطي جدران المصليات، وأخذت أعلاماً وأغطية للأسرة، أو شطفات تتدلى على النوافذ في أيام الاحتفالات والأعياد. ومع ذلك فقد كسدت هذه الصناعة نتيجة لهجوم المغول على صيدا، وتخريب قلاوون لطرابلس وتدمير الأشرف خليل لكل من صيدا وصور، وتوقف نشاط هذه المدن اللبنانية في هذا المجال قرابة قرن من الزمان (Maurice Chehab, Role du Liban dans l’histoire de la Soie, pp. 22-26) . |