×

مواطن شطب نفسه بسكين بعدما حجزت دراجته المخالفة

التصنيف: المرأة

2009-10-20  02:00 ص  6504

 

نادر أن يحصل أمر كهذا. توسط أمس تقاطع «الإتوال»، شاب، شاهراً سكيناً بدأ بتشطيب جسده به احتجاجاً على مصادرة القوى الأمنية لدراجته النارية. «بطل مضاد» في الشارع لساعة من الزمن، «استُدرج» على أثرها بوعد ردّ دراجته المصادرة، إلى مخفر الطيونة، حيث قُبض عليه

ضحى شمس
«هلّق بتتركها بأرضها، هلّق... يا إما بشلخ حالي سكين وليييه»... للوهلة الأولى، لا يُفهم شيء من هذا الصراخ. ماذا يفعل هذا الشاب الممسك بسكين أمام وزارة السياحة اللبنانية، مثخناً بالجراح والدموع والغضب، فيما كان دمه يسيل على صدره وساعديه الموشومين، وسط عشرات الفضوليين الذين توقفوا للمشاهدة في هذا الصباح؟ عناصر المشهد تومئ إلى ما يحصل: دراجات نارية من مختلف الأشكال والأحجام مصادرة ومكوّمة على الرصيف مقابل وزارة السياحة، أول شارع الحمرا، رجال شرطة السير الذين لا يزالون يقفون بخوذهم الرسمية، ودفتر محاضر الضبط المفتوح على محضر لم يُكتب. إلى جانبهم، يقف عناصر من مكافحة الشغب بثيابهم الكحلية، إضافة إلى عناصر من قوى الأمن الداخلي بثيابهم المرقطة. وبرغم وجود القوى الأمنية بكل ألوانها، لم يقترب أحد من الشاب الهائج لينزع على الأقل سكينه الذي كان يؤذي به نفسه أمام أنظارنا جميعاً، والذي لا شك في أنه كان يهدد كل العابرين، لكون الحادث لم يدفع المسؤولين الأمنيين، على الأقل، إلى تطويق المنطقة وقطع الطرقات منعاً لوقوع إصابات، ولو عن طريق الخطأ، بين المارّة.
أما الشاب الذي اتخذ لنفسه ما يتخذه نجم الاستعراض من موقع وسط التقاطع تماماً، فقد خلع قميصه وقبعته إلى جانب الطريق بعدما تلوّثا بدماء سالت من جروح أحدثها بنفسه قبل أن يخلعهما، ووقف يجول بسكينه مهدداً بنوع من انتحار بالتقسيط. كان المشهد مسرحياً من الدرجة الأولى، بشكله الاستعراضي ومضمونه التراجيدي. شيء يشبه احتجاج الهنود بإحراق أنفسهم في الساحات العامة. لكن، برغم أسلوب «البلطجة» الذي لجأ إليه الشاب، وربما كان هذا كل ما تيسّر له من فنون الدفاع عن النفس، فإن لوعته لمصيبته المتمثلة بحجز دراجته النارية «حيلته وفتيلته» كانت تخترق القلب، وخصوصاً عندما يكون متداولاً إلى حدّ «الملل» انعدام التوازن في لبنان في تطبيق العدالة، والطبقية في تطبيق قانون يستسهل معظم الوقت ملاحقة الضعفاء، المخالفين لا شك، لكن الضعفاء.
إذاً، كانت الساعة بعد الحادية عشرة صباحاً بقليل حين بدأ المشكل. وبعد نصف ساعة من بدايته، كان المارة يستمرون بالتجمع، فيما كانت الشوارع الأربعة المتفرّعة من تقاطع «الإتوال» مزدحمة بسيارات تطلق أبواقها، دون أن يفهم الأبعدون منهم عن موقع الحادث، ما الذي يحصل. ومع مرور الوقت، كانت عناصر أخرى تضاف إلى المشهد فيزداد سوريالية: الدركي يتوجه إلى مكانه «القديم» وسط التقاطع الذي تحوّل إلى مسرح لنجم اللحظة، صاحب الدراجة. يكلم الدركي الشاب الغاضب، فيبتعد قليلاً... ليسمح للسيارات التي حان دورها في العبور بالمرور، من دون أن يترك الساحة! ثم يعود الدركي لينظم السير بالطريقة ذاتها لكن في الاتجاه الآخر، وهكذا دواليك. نصف ساعة، والعابرون المتجمهرون يزدادون باطّراد والحلقة تكبر باستمرار. أما المارة، فقد كانوا يخرجون هواتفهم ليصوّروا المشهد. «شو عم يصير؟»، يسأل الوافدون الجدد، فلا تجيب القوى الأمنية. تسأل أحدهم: شو ما عندكم أمر بتشليحه السكين؟ يردون بعفوية: لا حتى الآن! تنتاب الشاب نوبات غضب ترتفع تارة، فيأخذ بالصراخ ملوّحاً بالسكين ومضيفاً جرحاً جديداً إلى جسده، ثم يهدأ، تسيل دماؤه، وتبيض عيناه فجأة، كمن سيغيب عن الوعي بسبب النزف من دون شك، ثم يهمد حين يطلب إليه الدرك أن يطوّل باله، يتكلم بهاتفه الخلوي: «يا (..) تعال خلّصلي اياها وإلا بقتل حالي، مش رايح من هون بلاها... هلّق بدّي اياها... عليّ وعلى أعدائي»، يصرخ مرة ثانية. ثم يتوجه إلى الدرك بصوت يكاد يبكي لولا «مفهوم» الرجولة الشرقي: «لو دافع من حقها ليرة ما انقهرت... أربعمية دولار بدّي حط حقها... بدي اياها هلّق، اعطيني اياها»، يصيح بصوت متهدّج كمن يستعيض عن البكاء بالصياح. تنظر إلى الدراجات المكوّمة محاولاً أن تحزر أياً منها دراجته، فترى بينها واحدة «مميّزة» رشّت بالبويا البراقة، موضة هذه الأيام. تبدو الدراجة كأنها مساحته الوحيدة ليأخذ حاجته الإنسانية من التميّز، الحاجة التي تحرمها المناطق المكتظة بالناس أبناءها. يدخل على الخط عنصر مدني، يبدو أنه يعرف الشاب، ابن الخندق الغميق. «خلص هلّق بتنحل خلص... حاج تعمل هيك بحالك». تقترب منه لتسأله من أين يعرفه، فيغمغم، فتفهم أنه «مخابرات»، يسمع له الشاب، فيخفف، ثم كأنه فجأة رأى بعض الواقفين يصوّرونه، يصرخ بهم «حاج تصوّر وله، ما تصوّرني!»، ثم يعود إلى الساحة.
مع مرور الوقت، بدا أن الموقف، شعبياً، ينقلب لمصلحته. سيدات أنيقات يتوقفن متأثرات. إحداهن تقول: «حرام بيكون ما عندو غيرها... خلص يتركوه... هلّق بدهم يطبقوا القانون؟»، لكن المشكل كان قد أصبح محرجاً للجميع: لا الشاب يريد التراجع بعدما وصلت الأمور إلى تلك المواصل، ولا القوى الأمنية تستطيع التراجع. والناس تتكاثر حتى أصبح الجمع يفوق أيّ تظاهرة احتجاجية مطلبية أجريت أخيراً. «كنت تركتلو اياها وخلّصتنا، هلّق شو
 
«تعال خلصلي اياها وإلا بقتل حالي، مش رايح من هون بلاها... هلق بدي اياها... عليّ وعلى أعدائي»

بدكن تعملوا»، يهمس الشاب «المدني» للقوى الأمنية، فيما كان بعضهم ينسّق على ما يبدو مع رؤسائه. ومع وصول الموقف إلى هذه النقطة، بدا أن القوى الأمنية قررت أن تحلّها على طريقة «الرواق» لعدم أذيّة أحد، بمن فيهم القوى الأمنية. هكذا، وبعدما تكلم أحدهم إليه هاتفياً، أخذ أحد الدركيين يخاطبه واعداً إياه بأنه «رح تاخدها وحياتك من عيني هاي قبل عيني هاي، بس مش هون، بتضرنا! ما فينا نرجعلك اياها إلا ع الطيونة (مفرزة السير)، تعال معنا على الطيونة وخذها يا خيّي». لكن الشاب كان يعاند «هون... هلّق... معقول بعد كل الي عملتو بحالي بدّك تضحك عليي؟». ثم تبيض عيناه ثانية ويكاد يتهاوى، فيستأنف الدركي المفاوضات. فجأة يقتنع الشاب «بروح ع الطيونة.. بس بطلع عليها (يقصد الدراجة) وبيطلع دركي ورايي»، فيردّ الدركي بأن الأمر ممنوع «بدّك تضر العنصر؟ ما بيقدر بالقانون يطلع وراك، بيتعاقب». إلى أن اقتنع الشاب، وكان أحد أقاربه قد وصل (تردّد أنه أخوه) على دراجة أخرى. يلبس ثيابه بعد معاندة قليلة، ثم يركب خلف أخيه متوجهاً إلى الطيونة، على وعد أن يسترد دراجته كما يظن، وليُلقى القبض عليه، كما علمنا لاحقاً. لكنّ المثير في نهاية هذا الصباح التراجيدي، المشهد الأخير الذي كان شديد التعبير: الشاب وقريبه ينصرفان على دراجتهما من دون أي خوذة، تماماً كما كان قبل أن يلقى القبض عليه، فيما كان العنصر الأمني المدني يتبعهما، هو الآخر على دراجته من دون خوذة والكثير ممن يحزنون.



مفرزة سير بيروت توقف الشاب

أوقفت القوى الأمنية دراجة الشاب، عند تقاطع «الأتوال» في الحمرا، ضمن الحملة التي باشرتها إنفاذاً لقرار وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، في 12 الجاري، والقاضي بالتشدد في قمع مخالفات الدراجات النارية، على خلفية جريمة عين الرمانة ـــ الشياح الأخيرة. وبعدما شطّب الشاب نفسه احتجاجاً على احتجاز دراجته، ذهب بمواكبة الدرك إلى مفرزة سير بيروت في منطقة الطيونة، حيث طالب باستعادة الدراجة فوراً. لكن القوى الأمنية رفضت ذلك في انتظار استكمال التحقيق.
وقال أحد المتابعين للقضية إنّ الشاب هجم على شرطي السير الذي حجز دراجته وحاول أن يطعنه بالسكين، ما استدعى إيقافه داخل المفرزة بناءً على إشارة القضاء المختص.
وأكدت شعبة العلاقات العامة لقوى الأمن الداخلي أمس لـ«الأخبار» أنّ الجروح التي كان يعانيها الشاب جراء تشطيب جسده تمت معالجتها ولم تستدع نقله إلى المستشفى

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا