×

شمعون مونس اجتاز لبنان سيراً على الأقدام

التصنيف: المرأة

2009-10-24  06:09 ص  1191

 

 

انور عقل ضو

استطاع الرحالة والباحث اللبناني شمعون مونس، أن يستكشف معالم تاريخية وطبيعية رائعة فأعاد إليها نبض الحياة، مستعيناً بـ «جغرافيا الأجداد» عبر الطرق التي كانت مسارات بدائية للتنقل من مكان إلى آخر، وغاب أثرها مع تطور وسائل النقل الحديثة.
يطلق عليه البعض لقب «ابن بطوطة لبنان»، وإن كان حلمه أكبر من حدود وطنه الصغير، بعد أن استكشف بعض الطرائق البدائية للسكان الأصليين في عدد من الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما في «الوادي العميق» في كاليفورنيا.
يقرن هوايته بالعلم وحب المعرفة والتقصي والمغامرة، وهو المتخصص في مجال علم الاجتماع والانتروبولوجيا، يلتقط الصور، يجمع المعلومات، يستطلع الآثار القديمة، يدرسها (وأحياناً بمساعدة علماء الآثار)، ويوثق رحلاته لتكون مراجع يدأب من الآن في سبيل جمعها وتبويبها وطباعتها، لتكون مدونات علمية تميط اللثام عن كنوز طمرها وحل السنين وشوك الإهمال.
أسس في إحدى زياراته إلى لبنان قبل نحو خمس سنوات «نادي طرق لبنان للقدم الخفية»، والتسمية تعني الطرق التي كان يسلكها الأجداد فـ «القدم الخفية»، هي قدم الأجداد التي عبرت الدروب العتيقة. وهو باحث أثرى بتجربته الحضارة الانسانية أبعد بكثير من حدود لبنان، بعد أن جال في أكثر من عشرين دولة مستكشفاً ومستطلعاً عادات وتقاليد الناس البعيدين عن وسائل الحضارة.
في بلدته الشبانية، يشير إلى بعض الأغراض «حقيبتي هي منزلي المتنقل». والحقيبة عبارة عن فراش موضب وموقد غاز صغير وبعض الثياب، إضافة الى عدة المشي من حبال ومنجل وحذاء خاص. يحتاج «المنزل المتنقل» لإشباع هوايته التي لأجلها أسس النادي ولأجلها جاب كل المناطق اللبنانية.
بدأت علاقة مونس بالطبيعة في مسقط رأسه في الشبانية – قضاء بعبدا، التي تمتاز بغاباتها وأشجارها المعمرة وطبيعتها الخضراء الخلابة. منها بدأ مشواره، وفيها نمت لديه هواية المشي فاتخذ من الطبيعة مسرحاً وبوابة للعبور الى العزلة والتأمل، فكانت وما تزال بالنسبة إليه مصدراً للراحة النفسية.
بدأ بهوايته المحببة في الثالثة عشرة من عمره عبر حب الاستطلاع، فخرج لاكتشاف بلدته سيراً على القدمين، ثم وسع نطاق استكشافاته لتشمل القرى المجاورة في المرحلة الأولى، بعدها قرر اجتياز كل قرى لبنان والأحراج والغابات من الشمال الى الجنوب والبقاع، الى الشرق والغرب. واكتشف خلال رحلته بعض المعابد والأديرة الأثرية وأصبح على معرفة بطبيعة لبنان من وديان وجبال ومنحدرات ومكتشفات لم ترها عين من قبل.
يحبّ التعرف إلى عادات اللبنانيين وعلى تقاليدهم في جميع الطوائف وفي جميع المناطق، هو لا يصدّق أبداً ما يقال عن انقسامات اللبنانيين، «لذا قررت اكتشاف ذلك بنفسي وبمفردي، فقمت برحلتي حاملاً بيتي على ظهري، وقررت اجتياز لبنان سيراً، وذلك من شماله الى جنوبه ومن بقاعه الى شرقه وغربه».
اختار مونس الطرق الداخلية الضيقة بين القرى والمناطق الجبلية التي تمتد داخل الطبيعة، وابتعد قدر المستطاع عن الطرق المعبدة التي تسلكها السيارات. يقول إن كل المناطق التي جابها «جميلة، والاهم طريقة استقبال أهلها لي، فخلال مغامرتي لم آخذ معي أي طعام أو مال، كنت أقطع كل يوم مسافة معينة وأحط رحالي في إحدى القرى، أطرق باب أحد البيوت، أشرح لأصحابه ما أقوم به فيستقبلوني ويستبقوني الى مائدة الطعام».
لا يغيب عن باله في أي لحظة هوسه بالطبيعة فيسدي النصائح لسكان البلدات التي يمر عليها بأن يحافظوا على تراثهم وأشجارهم التي تأكلها الكسارات وهمجية التمدن.
أنهى مونس المرحلة الأخيرة من اجتياز لبنان سيراً على الاقدام، وأشار إلى ان «المرحلة الاولى امتدت من الناقورة الى عنجر وهي المرحلة الأطول واستمرت ستة ايام»، ولفت الى ان «المرحلة الثانية بدأت من بيروت صعوداً الى المتن الأعلى فالبقاع ومنه الى منطقة المصنع وبعدها البقاع الغربي وصولاً الى القاع والمرحلة الاخيرة بدأت من عكار الى سير الضنية والقماميع ومنها الى الهرمل وراس بعلبك والعاصي ومن ثم الى القرنة السوداء والارز ومنطقة بشري، ومنها الى الشوف وجزين ومن ثم الجنوب».
ثمة محطات تركت أثرها خلال مشواره، ولا سيما عندما مر مونس في بلدة الباروك المشهورة بأرزها، فأهدته البلدية أرزة حملت اسمه، غرسها في «محمية أرز الباروك». يعتبر مونس أن تكريمه «بالأرز هو أغلى شيء لدي في العالم فهو رمز بلادي، وقد كان شعور لا يوصف»، مشيراً إلى أن التجربة أعطته «دفعاً معنوياً وازداد حبي للبنان وتعلقي به، كذلك زال خوفي من الآخر وأصبحت اثق بمستقبل أفضل لوطننا، فالبيت اللبناني ما يزال هو هو».
قبل هذه الرحلة، كان حلم مونس قد بدأ ينضج، فقرر تأسيس جمعية للمشي عندما كان في السادسة عشرة، جمع بعض الأصدقاء ومحبي المشي ودعاهم الى الطبيعة ليكتشفوا بعض القرى اللبنانية وأحراجها، وتحوّل الحلم حقيقة وافتتح نادي «طرق لبنان للقدم الخفية» في سن الثامنة عشرة.
أهمية تجربة مونس أنه أعاد الاعتبار للدروب التي تحوّلت مع الوقت ضحية للتمدن، ولم تعد موطئاً لأقدام الأجيال الجديدة. يضم النادي اشخاصاً «تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثمانين، ورحلاتهم تعيد إحياء الطرق». وقبل البدء بأي رحلة أيستطلع مونس الأمر ويمهد الطرق للفريق الذي سيرافقه ليتمكن من السير بسهولة في دروب خالية من الخطر، «مثلاً وفي إحدى المرات اضطررت لمد جسر خشبي كمعبر فوق نهر ليجتازه المرافقون».
ويشرح مونس بعض الخطوات التي يقوم بها في رحلاته «قبل الانطلاق أضع تعليمات معينة وألزم المشاركين بتطبيقها، وهي في غالبيتها نصائح صحية كالاكتفاء بوجبة واحدة خفيفة في الصباح الباكر قبل البدء بالسير».
ينظم النادي رحلات عند نهاية كل أسبوع تمتد من خمس الى ست ساعات، يتعرف خلالها المشاركون على المناطق الحرجية النائية، ويبحثون عن أفضل الوسائل للمحافظة على ثروتها الطبيعية ويبتعدون عن البيئة الملوثة والزفت والباطون، الى جانب ذلك يساهمون في تشجير الأحراج، فيحمل كل شخص غرسة يزرعها. كما تساهم المجموعة في تنظيف الأراضي في طريق الرحلة، فيكون بيد كل شخص حقيبة صغيرة ليضع فيها النفايات.
لم يتوقف مونس عند انجازه الأخير فلديه مشاريع مستقبلية منها ما هو محلي ومنها ما هو خارجي، فهو يدرس الطرق التي سلكتها شعوب استقرت في لبنان على امتداد التاريخ. يستعين بأساتذة علوم الجيولوجيا والآثار لتسهيل عمله. يتحدث عن هذا المشروع، الذي يهدف إلى إعادة إحياء الطرق القديمة، ويمكن تصوير المغامرة ومن ثم عرضها على المواطنين.
أما بالنسبة إلى المشاريع الخارجية فيخطط «لاجتياز سور الصين، علما بأنني قمت بجولات في العديد من الدول مثل أميركا وبلجيكا واليونان وايطاليا وغيرها

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا