مهيئات النبوة, نبذة عن نسب النبي وحياته, بدء الوحي, من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم-

مهيئات النبوة

أولا: : لقد هيئا الله - عز وجل - للنبي - صلى الله عليه وسلم - مهيئات كثيرة كانت إرهاصات لبعثته ونبوته ، فمن ذلك ما يلي:

- دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى - عليهما السلام - ورؤيا أمه آمنة :

- كون النبي - صلى الله عليه و سلم - خرج في أمة العرب :

- شرف النسب :

- بلوغه - صلى الله عليه وسلم - الذروة في مكارم الأخلاق :

- كونه - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يقرأ ولا يكتب :


1- دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى - عليهما السلام - ورؤيا أمه آمنة : يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه : (( أنا دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له بصرى من أرض الشام))

 ومعنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : أنا مصداق دعوة إبراهيم الخليل - عليه السلام - لأن إبراهيم لما كان يرفع القواعد من الكعبة في مكة ومعه ابنه إسماعيل كان يقول - كما أخبرنا الله عنه في القرآن - : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} .

فاستجاب الله دعوة إبراهيم وإسماعيل فكان النبي الخاتم محمداً - عليه الصلاة و السلام - من ذريتهما.

أما قوله : (( وبشرى عيسى )) فإن نبي الله عيسى  - عليه السلام - قد بشر بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر الله عنه في القرآن فقال: { وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد }

فعيسى - عليه السلام - هو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وليس بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي .

فعيسى بَشَّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد ، وأحمد من أسماء النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .

أما رؤيا أمه فقد رأت رؤيا صادقة  ؛ ذلك أن أمه لما أخذها المخاض ، فوضعته  تَمَثَّل لعينيها ذلك النور الذي أضاءت له بصرى من أرض الشام.

2- كون النبي - صلى الله عليه و سلم - خرج في أمة العرب :  تلك الأمة التي فُضِّلَتْ على غيرها من الأمم أنذاك ، حتى استعدت لهذا الإصلاح الروحي المدني العام ، الذي اشتمل عليه دين الإسلام ، بالرغم مما طرأ عليها من الأمية ، وعبادة الأصنام ، وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والانقسام.

ومع ذلك فقد كانت أمة العرب متميزة باستقلال الفكر ، وسعة الحرية الشخصية ، في الوقت الذي كانت الأمم الأخرى ترسف في عبودية الرياستين الدينية والدنيوية ، محظوراً عليها أن تفهم غير ما يلقنها الكهنة ، ورجال الدين من الأحكام الدينية ، أو أن تخالفهم في مسألة عقلية ، أو كونية ، كما حظرت عليها التصرفات المدنية والمالية.

وكانت أمة العرب - أيضاً - متميزة باستقلال الإرادة في جميع الأعمال أيام كانت الأمم مُذَلَّلَةً مُسَخَّرة للملوك والنبلاء  ، المالكين للرقاب والأموال بحيث يستخدمونهم كما يستخدمون البهائم ؛ فلا رأي لهم في سلم ، ولا حرب ، ولا إرادة لها دونهم في عمل ولا كسب.

وكانت أمة العرب ممتازة بعزة النفس ،  وشدة البأس ، وقوة الأبدان والقلوب ، أيام كانت الأمم مؤلفة من رؤساء أفسدهم الإسراف والترف ، ومرؤوسين أضعفهم البؤس والشظف ، وسادة أبطرهم بغي الاستبداد ، و مُسَوَّدين أذلَّهم قَهْرُ الاستعباد.

وكانت أمة العرب أقرب إلى العدل بين الأفراد ، وكانت ممتازة بالذكاء ، وكثير من الفضائل الموروثة والمكتسبة كإكرام الضيف ، وإغاثة الملهوف ، والنجدة ، والإباء ، وعلو الهمة ، والسخاء ، والرحمة ، وحماية اللاجىء ، وحرمة الجار - أيام كانت الأمم مرهقة بالأثرة ، والأنانية ، والأنين من ثقل الضرائب والأتاوى الأميرية.

وكانت أمة العرب قد بلغت أوج الكمال في فصاحة اللسان ، وبلاغة المقال مما جعلها مستعدة للتأثر ، والتأثير بالبراهين العقلية ، والمعاني الخطابية ، والشعرية ، وللتعبير عن جميع العلوم الإلهية والشرعية ، والفنون العقلية ، والكونية - أيام كانت الأمم الأخرى تنفصم عرى وحدتها بالتعصبات الدينية والمذهبية ، والعداوات العرقية.

وأعظم مزية امتاز بها العرب أنهم كانوا أسلم الناس فطرة بالرغم من أن أمم الحضارة  كانت أرقى منهم في كل فن وصناعة.

والإصلاح الإسلامي مبني على تقديم إصلاح النفس باستقلال العقل ، والإرادة ، وتهذيب الأخلاق على إصلاح ما في الأرض من معدن ، ونبات ، وحيوان.

وبهذا كان الله - عز وجل - يعد هذه الأمة للإصلاح العظيم الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.

3- شرف النسب : فقد كان نسبه - عليه الصلاة والسلام - أشرف الأنساب ، وأصرحها.

قال تعالى : { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين }

فالله - عز وجل - اصطفى هؤلاء إذ جعل فيهم النبوة والهداية للمتقدمين ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفى من بني هاشم سيد ولد آدم محمدا - صلى الله عليه وسلم - فكان آل إسماعيل أفضل الأولين والآخرين ، كما كان بنو إسحاق أفضل المتوسطين.

أما اصطفاء الله لقبيلة قريش فقد كان بما آتاهم الله من المناقب العظام ، ولا سيما بعد سُكنى مكة ، وخدمة المسجد الحرام ؛ إذ كانوا أصرح ولد إسماعيل أنساباً ، وأشرفهم أحساباً ، وأعلاهم آداباً ، وأفصحهم ألسنة ، وهم الممهدون لجمع الكلمة.

أما اصطفاء الله لبني هاشم فقد كان لما امتازوا به من الفضائل والمكارم ؛ فكانوا أصلح الناس عند الفتن ، وخيرهم لمسكين ويتيم.

وإنما أطلق لقب هاشم على عَمْرو  بن عبد مناف ؛ لأنه أول من هشم الثريد - وهو طعام لذيذ - للذين أصابهم القحط ، وكان يشبع منه كلَّ عامٍ أهلُ الموسم كافة ، ومائدته منصوبة لا ترفع في السراء ولا في الضراء.

وزاد على هاشمٍ ولَدُه عبدُالمطلب جدُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان يطعم الوحش ، وطير السماء ، وكان أول من تعبد بغار حراء ، وروي أنه حرم الخمر على نفسه.

وبالجملة فقد امتاز آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على سائر قومه بالأخلاق العلية ، والفواضل العملية ، والفضائل النفسية.

ثم اصطفى الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم ؛ فكان خير ولد آدم ، وسيدهم.

4- بلوغه - صلى الله عليه وسلم - الذروة في مكارم الأخلاق : فقد جبله الله - عز وجل - على كريم الخلال ، وحميد الخصال ، فكان قبل النبوة أرقى قومه ، بل أرقى البشرية في زكاء نفسه ، وسلامة فطرته ، وحسن خلقه.

نشأ يتيماً شريفاً ، وشب فقيراً عفيفاً ، ثم تزوج محباً لزوجته مخلصاً لها.

لم يتولَّ هو ولا والده شيئاً من أعمال قريش في دينها ولا دنياها ، ولا كان يعبد عبادتهم ، ولا يحضر سامرهم ، ولا ندواتهم ، ولم يؤثر عنه قول ولا عمل يدل على حب الرياسة ، أو التطلع إليها.

كان يُعرفُ بالتزام الصدق ، والأمانة ، وعلو الآداب ؛ فبذلك كان له المقام الأرفع قبل النبوة ؛ حتى لقبوه بالأمين.

وعلى هذه الحال كان - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ أشده ، واستوى ، وكملت في جسده الطاهر ، ونفسه الزكية  جميع القوى ، لا طمع في مال ، ولا سمعة ، ولا تطلع إلى جاه ولا شهرة ، حتى أتاه الوحي من رب العالمين - كما سيأتي بيانه بعد قليل - .

5- كونه - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يقرأ ولا يكتب : فهذا من أعظم المهيئات والدلائل على صدق نبوته ؛ فهذا الرجل الأمي الذي لم يقرأ كتابا ، ولم يكتب سطراً ، ولم يقل شعراً ، ولم يرتجل نثراً ، الناشىء في تلك الأمة الأمية - يأتي بدعوة عظيمة ، وبشريعة سماوية عادلة تستأصل الفوضى الاجتماعية ، وتكفل لمعتنقيها السعادة الإنسانية الأبدية ، وتعتقهم من رق العبودية لغير ربهم - جل وعلا - .