المسجد الأقصى, المسجد النبوي الشريف, المسجد الأموي, المسجد الحرام, مسجد قباء, مسجد قبة الصخرة, مسجد عمرو بن العاص.

المسجد الأقصى

يقع المسجد الأقصى في مدينة القدس في فلسطين والقدس مدينة مشهورة ذات تاريخ حضاري مشترك بين اليهود والمسيحيين والمسلمين، وقد شهدت كثيراً من الغزاة والطامعين في الحروب الطاحنة كما حظيت بكثير من العلماء النابغين والعباد المنقطعين المشهورين.

وإنما سمي الأقصى بمعنى البعيد لأنه لم يكن وراءه مسجد آخر في الأرض، وكان في أبعد الأماكن التي وصل إلها العرب في رحلاتهم إلى الشام قبل الإسلام، وقد سمي بهذا الإسم في قوله تعالى عند ذكر قصة الإسراء: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم }.

وقد جمع بعضهم كالزركشي في كتابه أعلام المساجد ــ أسماء المسجد الأقصى وأهمها: المسجد الأقصى ومسجد إيلياء بيت المقدس والبيت المقدس وبيت القدس وغير ذلك.

والحديث عن المسجد الأقصى يتناول النقاط التالية:

فضائله الدينية الكثيرة:

أولاً: فضائل المسجد الأقصى كثيرة ومشهورة: منها كان قبلة ومتوجهاً للأنبياء السابقين قبل الإسلام في الصلاة، كما صلى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طيلة مقامهم في

مكة عشر سنين، ثم صلوا إليه بعد هجرتهم إلى المدينة قرابة ثمانية عشر شهراً قبل أن يؤمروا

بالتحول إلى الكعبة، وقد أشار الله سبحانه إلى صلاتهم تجاه قبلة بيت المقدس في قوله: { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } يقصدون بذلك بيت المقدس.

ومنها أيضاً: أن الإسراء بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده قبيل الهجرة قد تم  ووقع من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلي المسجد الأقصى يقظة لامناماً، على ما ثبت في الآية الشريفة والحديث الصحيح وفي هذا المسجد في الإسراء اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء السابقين، وقام فيهم خطيباً، وقدموه فصلى بهم ركعتين تكريماً له وتشريفاً، وعندما عاد عليه السلام إلى مكة وكذبته قريش، اقترح أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم لقريش المسجد الأقصى ـ وكان قد دخله ليلاً ـ فرفعه الله له حتى وصفه لهم باباً باباً ونافذة نافذة فكان ذلك من آيات نبوته.

ومن فضائل المسجد الأقصى: أنه أقدم المساجد التي عمرت لعبادة الله وحده بعد المسجد الحرام، كما جاء في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أيّ قال: "المسجد الأقصى" قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة" ولذلك فقد كثر تردد الأنبياء عليه وصلاتهم فيه منذ القديم. فعن عطاء الخرساني قال: بيت المقدس بنته الأنبياء، ووالله ما فيه موضع شبر إلى وقد سجد فيه نبي!!! وأثر مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ومن فضائل المسجد الأقصى: أن الصلاة فيه مضاعفة الأجر بمقدار خمسمائة ضعف، وقيل أكثر من ذلك، فعند البزار بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة ".

ومن فضائله: استحباب شد المطايا والسفر إليه لزيارته حباً له وإكراماً، ففي الصحيحين

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى "، ومن فضائله ما وضع إليه من البركة حوله لأجله تلك البركة التي تمثلت في كثرة الأنبياء الذين أقاموا حوله وماتوا ودفنوا هناك وفي كثرة الأنهار والثمار والخيرات العديدة.

ومن فضائله: تحريم استقباله بالبول والغائط ـ تنزيهاً لمقامه ـ وكذلك استدباره بهما كالحال بالنسبة للكعبة المشرفة. وله فضائل أخرى يجدها الباحث عنها في مظانها.

البناء الأول في التاريخ القديم:

  ثانياً: أما ما يتعلق ببناء المسجد الأقصى أولَّ ما ُبني، فقد روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبي بن كعب قال : إن الله عز وجل أمر عبده ونبيه داود عليه السلام أن يبني له بيتاً فقال: أي رب وأين هذا البيت؟ فقال : حيث ترى المَلَك شاهراً سيفه. فرآه على الصخرة، وإذا ما هناك يومئذ أندر لغلام من بني اسرائيل، فأتاه داود، فقال: إني أُمرت أن أبني هذا المكان بيتاً لله عز وجل فقال له الفتى: الله أمرك أن تأخذها بغير رضاي. قال : لا. فأوحى الله إلى داود عليه السلام إني قد جعلت في يديك خزائن الأرض فأرضه. فأتاه داود فقال: إني أُمرت برضاك ولك بها قطار من ذهب فقال: قد قبلت ياداود، وهي خير أم القنطار؟ قال: بل هي خير. قال: فأرضني  قال فلك بها ثلاثة قناطير، فلم يزل يشدد على داود حتى رضي منه بتسع قناطير .

ونقل الطبراني في الكبير عن رافع بن عمير عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سليمان عليه السلام أخذ بعد ما مات داود عليه السلام في بنائه، فلما تم قربّ القرابين وذبح الذبائح وجمع بني اسرائيل، فأوحى الله إليه: قد أرى سرورك ببنيان بيني فسلني أعطك. قال: أسألك

ثلاث خصال: حكماً يصادف حكمك ـ أي يوافقه ـ وملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه، خرج من ذنوبة كيوم ولدته أمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما اثنتين فأعطيها، وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة.

وقد روي عن كعب الأحبار أن سليمان بنى البيت المقدس على أساس قديم  كان أسسه سام بن نوح.

وقد ما دمر ما بناه سليمان عليه السلام في غزو بختضر لبيت المقدس وسبي بني اسرائيل، وهو ما أشارت إلية الآية الكريمة { فإذا جارو عن أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً }.

أما بدايات المسجد الأقصى الموجود حالياً فهي ترجع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أمر ببناء مسجد في الحرم القدسي غير بعيد عن الصخرة، ولاتزودنا المصادر التي

بين أيدينا عن بناء تلك الفترة بشئ من التفاصيل إلا أنه كان مكاناً بسيطاً عبارة عن سقف أنشئ بواسطة وضع كَمَرات خشبية ضخمة على حوائط تأخذ الشكل الرباعي، ولكنه كان يتسع لثلاثة آلاف مصل تقريباً، وكان المسلمون بمن فيهم بعض الصحابة والتابعين يترددون عليه للصلاة فيه.

وبقي الحال هكذا إلى أن جاء عبد الملك وابنه الوليد فكان الإنشاء الحديث الأول للمسجد وذلك سنة 97هـ، وهو انشاء ولا شك يتناسب مع المسجد ومكانته في الإسلام من جهة، ومع ما عرف عن الوليد من اهتمام بالمساجد وعناية فائقة بها... ولم يبق الآن من عمارة الوليد شاهداً على ذلك إلا العقود القائمة على أعمدة من الرخام على يمين القبة الصغيرة عند المدخل ويسارها، وارتفاع تلك الأعمدة مع تيجانها خمسة أمتار، أما ارتفاع قمة العقد فيبلغ أكثر من سته أمتار، وفوق كل ثلاثة عقود خمس فتحات، وكان طول الجدار من الشمال إلى الجنوب قرابة 51 متراً، فإذا افترضنا أن عرضه كان مثله ـ وليس بين أيدينا مصدر يحدد ذلك ــ فإن مساحة المسجد آنذاك لا تقل عن 2500 متر مربع وكان على جانب من الفخامة بحيث أن أبوابه صفحت بالذهب.

 · الدور العباسي:

وقد أعاد الخليفة المنصور عام 140هـ بناء المسجد الأقصى وأنفق عليه نفقة كبيرة: بعضها منه، وباقيها من ألواح الذهب التي كانت على الأبواب من قبل، ولما انتهى سار إلى بيت المقدس فصلى في المسجد، وشكر الله على إتمامه وكان ذلك عام 141هـ .

وفي عهد الخليفة المهدي أمر بإعادة بنائه، بعد أن تهدم وهجره الناس، فأعيد بناؤه على نحو أقوى وأضخم، وترك الجزء القديم فيه كجانب جمالي وأثري. وصار للمسجد ست وعشرون باباً، سُمي الباب الأوسط المواجه للمحراب ـ وهو الرئيسي ـ بالباب النحاسي الكبير، بينما كان على يمينه سبعة أبواب وعلى يساره سبعة، أي أن الحائط الشمالي كان يحوي خمسة عشر باباً، بينما كانت الأبواب الأحد عشر الأخرى في الحائط الشرقي منه. هذا وقد انتصبت فوق المحراب قبة من الخشب جلدت من الخارج بأفرخ من الرصاص، وكانت أعمدة المسجد

كلها من البناء لا من الحجر الرخام، وبذلك أمكن التفريق بينها وبين الأعمدة القديمة. وبلغ طول المسجد حينذاك 103 مترا وعرضه 69 متراً.

وفي مطلع القرن الثالث الهجري تعرض المسجد الأقصى لزلزال ضرب المنطقة، فأمر الخليفة المأمون أمراء الأطراف أن يتولى كل منهم بناء رواق من المسجد على نفقته، وجعل المشرف على ذلك عبد الله بن طاهر، فتم للمأمون ما أراد عام 210هـ.

وقد وصف المقدسي جانباً من المسجد في رحلتة إليه فقال: إن بيت الصلاة (القبلية)، كان يتكون من ستة وعشرين رواقاً، تشرع كلها من جدار القبلة إلى العمق، أما أبواب المسجد فكانت سبعاً: أكبرها الأوسط الذي تغطيه طبقة من النحاس الأصفر اللماع.

 · الدور الفاطمي:

وفي زلزال عام 424هـ تضرر المسجد الأقصى تضرراً كبيراً، فجدد إنشاؤه للمرة الخامسة، وذلك في عهد الخليفة الفاطمي الزاهر سنة 426 هـ، وقد عمل الظاهر على تصغير مساحة المسجد، مع احتفاظه بنفس النمط المعماري العباسي كما بناه المهدي.

وقد تعرض المسجد الأقصى بعد ذلك لكثير من النهب والإصابات نتيجة الحملات الصليبة التي كانت القدس محورها وهدفها فذهب جزء كبير من بناء الظاهر الفاطمي ولكن بقي منه الهيكل العام المكون من سبعة أروقة عمودية على القبلة، وجوف بيت الصلاة المكون من 11 صفاً من العقود الموازية لجدار القبلة. والرواق الأوسط أو المجاز الأعظم مساحته ضعف مساحة بقية الأروقة، وتقوم فوق البلاطة الأخيرة منه ـ أي المربع بين الأعمدة ـ قبة صغيرة فوق المدخل مباشرة، وهناك قبة أخرى أكبر من هذه فوق البلاطة المؤدية للمحراب.

         

الجهود المتتابعة بعد ذلك :

ولا يزال المسجد إلى اليوم يحتفظ بمجمل هيئته السابقة، إلا أنه لقي عناية كبيرة في عموم مراحل التاريخ الاسلامي بعد الفاطميين كأيام المماليك والعثمانيين، خاصة وأن العثمانيين قد بذلوا في سبيل تجميله وتحليته جهوداً كبيرة، وإليهم يرجع الفضل فيما يمتاز به المسجد اليوم من منظر بديع.

وعلى سبيل المثال: فإذا وقفت في الرواق الأوسط في اتجاه القبلة، فسترى المربع الجميل الذي يحمل القبة الكبرى مرفوعاً على أعمدة رخامية شاهقة الارتفاع، تعلوها عقود تقوم على أرجل يعدل ارتفاعها ارتفاع العمد، بينما الجدار الحامل للقبة فوق العقود مزين بنوافذ صغيرة... ويلاحظ الناظر كذلك أن المعماري قد ربط بين الأعمدة بأوتاد خشبية سميكة في

وسط الأعمدة، وذلك لشدة ارتفاعها، حتى تمنع تلك الأربطة انطلاق هذه العقود للخارج بفعل تأثير الثقل الموجود فوقها.

  جمال وجلال:

والمسجد الأقصى الحالي في نظر المختصين عمل معماري يجمع بين البساطة والجلال، في صورة تندر في غيره من المساجد، فعلى الرغم من أن بناء جدرانه ليس من السماكة بمكان، وخاصة تلك الحاملة للقبة الكبرى، إلا أن جزءاً كبيراً من فخامة المسجد يرجع إلى سعة بيت الصلاة، بحيث تمتلىء النفس مهابة واجلالاً، وهذه السعة هي التي جعلت المعماري يسقفه بالخشب القوي فقط.

بينما يرجع الجزء الآخر من الجمال إلى طبيعة الزخرفة المنتشرة في المسجد بكثرة وشمول، فالفسيفساء ـ وهي في الأصل فن بيزنطي شهير ـ تنتشر على الحوائط والقبة من الداخل، بينما يغطي القاشاني المزخرف جدران المسجد إلى ارتفاع المحراب فيضيف ذلك جمالاً بديعاً، في الوقت الذي تحتل فيه التفريعات النباتية الخارجة من المزهريات ثم بعد خروجها تنثني وتلتوي حتى تأخذ أحياناً شكلاً حلزونياً جانباً هاماً من الزخرفة، هذا إلى جانب الزخرفة بأوراق الاكنتس.

أما الزخرفة الكتابية ـ وهي جزء مشترك بين زخرفة جميع المساجد ـ فإنها تغطي مساحات لا بأس بها من جدران المسجد الأقصى بخطوط من أجمل الخطوط العربية، سواء ما كان منها بالقلم الكوفي أو النسخي، حتى تكوّن تلك الخطوط أشرطة ناطقة بالجمال الحسي والمعنوي في آن واحد لما تتضمن من عميق المعاني وبديع الصورة.

أهوال ومخاطر محدقة:

ولا يفوتنا ونحن نفتح صفحات تاريخ المسجد الأقصى ـ بناء وفضلاً أن نذكر ما يتهدده من الخطر اليهودي في هذا العصر. وهذا الخطر يتمثل في خطين متوازيين يسيران معاً ويتقدمان ويحدقان به يوماً بعد يوم:

الأول: المحاولات المتكررة لحرق المسجد الأقصى، والتي كان أشهرها محاولة عام 1971م حيث أضمرة فيه النيران عن عمد حتى أتت على جانب كبير منه.

والثاني: الحفريات الدائبة حوله وفي نواحيه، مما يهدد بنيانه وأساساته واليهود في هذين المسارين على دأب عظيم .

  صرخات استغاثة:

وإذا كان عمر رضي الله عنه قد ابتدأ تاريخ المسجد الأقصى بالبناء، وجاء بعده صلاح الدين فأعاد إليه شبابه ونضارته وكبرياءه بطرد الصليبيين وكنس آثارهم، فمن للمسجد الأقصى اليوم ليخلصه من براثن اليهود المجرمين.

روى الطبراني عن أبي إمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" قيل: فأين هم يا رسول الله؟ قال: "ببيت المقدس أو بأكناف بيت المقدس".

تابع